آخر وهو: أن يكون مثل هذا القول قد صدر منهم وهم خير الناس عند الله بعد الأنبياء ﵈.
ولعل الجواب عن هذا من أوجه:
الأول: لا دليل في الآية يدل على أن جميع الصحابة وقع منهم هذا بل الآية نصٌّ على أن الذي قال هذا فريق منهم بقوله: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ﴾ الآية.
ثم إن عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأصحابه من كبار الصحابة كانوا من أوائل المجاهدين في غزوة بدر وغيرها كما هو بيّن معلوم في قصة قتل أبي جهل والله أعلم (١).
الثاني: يُحتمل أن الصحابة الذين صدر منهم هذا القول ممن كان مع عبد الرحمن بن عوف ﵁ كانوا حديثي عهد بكفر ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم بعد، أو لم يكونوا راسخين في العلم، قالوه خوفًا وجبنا لا اعتقادًا، ثم تابوا (٢).
الثالث: أن الصحابة الذين صدر منهم هذا القول كانوا يودون أن يتأخر الطلب إلى وقت ظهور الإسلام وكثرة عدد المسلمين، وليس ردًا للأمر بالقتال (٣)، والله أعلم.
الرابع: يُحتمل أن الصحابة الذين صدر منهم هذا القول كان مُرادهم تمني التخفيف لا الاعتراض على حكم الله تعالى والإنكار لإيجابه، ولذا لم يُوبَّخوا عليه (٤).
الخامس: يُحتمل أن صدور هذا القول منهم للتعجب، فهو أليق بهم، لا للانكار (٥).
السادس: أن هذا كان منهم لما في طبع البشر من المخافة لا على كراهة أمر الله
(١) المحرر في أسباب النزول: المزيني (١/ ٤٠٦). (٢) انظر: العجاب في بيان الأسباب: ابن حجر (٢/ ٩١٨)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٢/ ٢٥١)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٦/ ٤٦٣). (٣) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٣/ ٢٢٣). (٤) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٠/ ١٤٣)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (٦/ ١٥٠). (٥) انظر: تفسير القرآن الكريم: العثيمين (سورة النساء) (١/ ٥٤٧).