قيل: وهذا هو الحق، وطاعتهم إنما هي تبع لا استقلال، ولهذا قرنها بطاعة الرسول ولم يعد العامل، وأفرد طاعة الرسول وأعاد العامل لئلا يتوهم أنه إنما يطاع تبعا كما يطاع أولو الأمر تبعا، وليس كذلك، بل طاعته واجبة استقلالا سواء كان ما أمر أو نهى عنه في القرآن أو لم يكن" (١).
ويُضاف على ما ذكره ابن القيم وجهان:
الأول: لو فرضنا أن في العلماء من يرشد الناس إلى التقليد ويرغبهم فيه لكان يرشد إلى معصية الله، ولا طاعة له بنص حديث من رسول الله ﷺ(٢).
فقد روى البخاري في صحيحه عن علي ﵁، قال: بعث النبي ﷺ سرية، وأمر عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم، وقال: أليس قد أمر النبي ﷺ أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا، وأوقدتم نارا، ثم دخلتم فيها فجمعوا حطبا، فأوقدوا نارا، فلما هموا بالدخول، فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي ﷺ فرارا من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك، إذ خمدت النار، وسكن غضبه، فذكر للنبي ﷺ، فقال:«لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف»(٣).
الثاني: الاستدلال بالآية على وجوب التقليد قد يلزم منه طاعة أولي الأمر - وهم العلماء- في المعصية وهذا لا يجوز إجماعا فيما خالف كتابا أو سنة، ولا طاعة لهم إلا في المعروف كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عنه ﷺ(٤).
(١) إعلام الموقعين: ابن القيم (٣/ ٥٤١، ٥٤٢). (٢) فتح البيان: القنوجي (٣/ ١٥٦)، وانظر: تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٥/ ١٧٨). (٣) أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم: (٧١٤٥)، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، برقم: (١٨٤٠). (٤) أضواء البيان: الشنقيطي (٧/ ٣٢٨).