يرى أبو علي الجبائي من أن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. معطوف على قوله: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، وهذا مردود من وجهين:
الأول: أن الواو في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ استئنافية كما هو الظاهر، وليست عاطفة على الوالدان والأقربون. فالموالي وهو الورثة لهم نصيب، والحلفاء الذين عُقدت معهم الأيْمان لهم نصيب، قبل أن يُنسخ الحكم. أو أنها جملة مستقلة عن سابقتها، مؤلفة من مبتدأ وخبر، وزيدت الفاء في الخبر في قوله تعالى: ﴿فَآتُوهُمْ﴾ لتضمن المبتدأ معنى الشرط (١).
الثاني: أن تفسير ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بالزوج والزوجة يلزم منه وقوع التكرار في الآية الذي تنزه القرآن عنه، فقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ يدخل فيه الزوج والزوجة لكونهم ورثة، فإذا فسر قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بأنهم الزوج والزوجة فلا فائدة، والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: اختلف أهل العلم قديمًا في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ من حيث الإحكام والنسخ، ولعل الصواب أن الآية محكمة من جه ومنسوخة من وجه آخر، لما روى البخاريّ في صحيحه عن ابن عباس قال: " ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ ورثة ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه، للأخوّة التي آخى النبيّ ﷺ بينهم. فلما نزلت ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نسخت: ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. من النصر والرفادة والنصيحة. وقد
(١) انظر: روح المعاني: الآلوسي (٦/ ٨)، وانظر: تفسير آيات الأحكام: السايس (١/ ٤٥٧).