القريبة مانعة من الجمع في النكاح، وهذا المعنى حاصل بين المرأة وعمتها أو خالتها، فكان الحكم المذكور في الأختين مذكورا في العمة والخالة من طريق الدلالة، بل هاهنا أولى، وذلك لأن العمة والخالة يشبهان الأم لبنت الأخ ولبنت الأخت، وهما يشبهان الولد للعمة والخالة، واقتضاء مثل هذه القرابة لترك المضارة أقوى من اقتضاء قرابة الأختية لمنع المضارة، فكان قوله: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ مانعا من العمة والخالة بطريق الأولى (١).
ومن السنة: ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث جابر ﵁، قال:"نهى رسول الله ﷺ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها"(٢).
فوجب أن يكون هذا الحديث مضموما إلى الآية فيكون قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ مستعملا فيمن عدا الأختين وعدا من بين النبي ﷺ تحريم الجمع بينهن (٣).
وأما الإجماع: فقد حكاه غير واحد من أهل العلم.
قال ابن المنذر:"وأجمعوا على أن لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها: لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى"(٤).
وقال ابن عطية:"ثبت عن النبي ﷺ أنه نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وأجمعت الأمة على ذلك"(٥).
الجواب عن الشبهة التي احتج بها طائفة من الشيعة والخوارج على جواز الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها:
من مفاسد هذا القول أن ظاهره يوهم وقوع التناقض في الأحكام الشرعية. وهذا محال
(١) مفاتيح الغيب: الرازي (١٠/ ٣٧). (٢) أخرجه البخاريّ: كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، برقم: (٥١٠٨). (٣) أحكام القرآن: الجصاص (٣/ ٧٩)، بتصرف. (٤) الإجماع: ابن المنذر (ص: ٩١)، وانظر: أحكام القرآن: الكيا الهراسي (٢/ ٤٠٤). (٥) المحرر الوجيز: ابن عطية (٣/ ٩٤). وانظر: الاستذكار (١٦/ ١٦٨)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٦/ ٢٠٦). وانظر: التوضيح: ابن الملقن (٢٤/ ٣٣١).