قال الشيخ محمد رشيد رضا:"ذهب جمهور المفسرين إلى تفسير الزمن القريب بما قبل حضور الموت، واحتجوا على ذلك بالآية الثانية التي تنفي قبول توبة الذين يتوبون إذا حضر أحدهم الموت. وليس ذلك بحجة لهم، لأن الظاهر أن هذه الآية بينت الوقت الذي تقبل فيه التوبة من كل مذنب حتما، والآية الثانية بينت الوقت الذي لا تقبل فيه توبة مذنب قط، وما بين الوقتين مسكوت عنه، وهو محل الرجاء والخوف، فكلما قرب وقت التوبة من وقت اقتراف الذنب كان الرجاء أقوى، وكلما بعد الوقت بالإصرار، وعدم المبالاة، والتسويف كان الخوف من عدم القبول هو الأرجح، لأن الإصرار قد ينتهي قبل حضور الموت بالرين، والختم، وإحاطة الخطيئة"(٢).
تنبيه:
الذي يظهر لي والله أعلم أن ما ذهب جماعة من السلف كالضحاك وعكرمة وابن زيد من أن المراد: ثم يتوبون من قبل الموت (٣). وما ذهب إليه ابن عباس ﵁ في رواية أخرى وأبي مجلز ومحمد بن قيس والضحاك في رواية إلى أن المراد من القريب في قوله تعالى: ﴿مِنْ قَرِيبٍ﴾ أي: يتوبون من قبل معاينة مَلَك الموت (٤).
أنه لا تعارض بينهما، لدلالة قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [سورة المؤمنون: ٩٩] وجميع الأحاديث المُتقدمة التي أوردها القاسمي ﵀ يُمكن أن يُستدل بها على أن المراد من قبول التوبة: ما قبل حضور الموت لأنه يكون في الغالب قبل وقت الغرغرة ومُعاينة ملك الموت.
(١) مفاتيح الغيب: الرازي (١٠/ ٩). (٢) تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٤/ ٣٦١). (٣) أخرجه أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (٦/ ٥١٣). (٤) أخرجه أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (٦/ ٥١٢).