الوجه الأول: أن سياق الآية التي بعدها يدل على أن وقت عدم قبول التوبة هو وقت الاحتضار وليس وقت ما قبل حضور الموت.
قال القاسمي:(فإن قيل): من أين يستفاد قبول التوبة قبل حضور الموت؟ (قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك. لا من قوله تعالى ﴿مِنْ قَرِيبٍ﴾ بما أولوه.
وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ صريحة في أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة. فبقي ما وراءه في حيّز القبول (١).
الوجه الثاني: دلالة السنة النبوية على أن وقت عدم قبول التوبة: وقت الاحتضار والغرغرة، فقد وردت أحاديث عديدة تدل على ذلك:
منها: ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبيّ ﷺ قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"(٢). ورواه ابن ماجة والترمذيّ وقال: حسن غريب.
ومنها: ما رواه أبو داود الطيالسيّ عن عبد الله بن عمرو قال: "من تاب قبل موته بعام تيب عليه. ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه. ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. (قال أيوب). فقلت له إنما قال الله ﷿: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾. فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله ﷺ "(٣).
ومنها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"(٤).
(١) محاسن التأويل: القاسمي (٥/ ١١٥٥). (٢) أخرجه في مسنده (١٠/ ٣٠٠)، برقم: (٦١٦٠)، قال محققوا المسند: إسناده حسن. (٣) أخرجه في مسنده (٤/ ٤١) برقم: (٢٣٩٨). وروى نحوه الإمام أحمد في مسنده (١١/ ٥١٧)، برقم: (٦٩٢٠) قال محققوا المسند: حسن لغيره. (٤) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم: (٢٧٠٣).