وهل السحر إلا الباطل المموه وقد جرت عادة الله -تعالى- بإبطاله كما قال في قصة موسى ﵇: ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ [سورة يونس: ٨١].
ثم عقَّب الرازي على أبي مسلم فقال:"ثم إن أبا مسلم ﵀ سلك في تفسير الآية نهجا آخر يخالف قول أكثر المفسرين، فقال: "كما أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر مع أن المنزل عليهما كان مبرأ عن السحر، وذلك لأن المنزل عليهما كان هو الشرع والدين والدعاء إلى الخير، وإنما كانا يُعَلّمان الناس ذلك مع قولهما: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ توكيداً لبعثهم على القبول والتمسك، وكانت طائفة تتمسك، وأخرى تخالف وتعدل عن ذلك، ويتعلمون منهما أي: من الفتنة والكفر مقدار ما يفرقون به بين المرء وزوجه"، فهذا تقرير مذهب أبي مسلم (١).
والقاسمي ﵀ عقّب على قول أبي مسلم ووصفه بأنه بعيد عن الصواب، فهو يخالف ما روي عن عائشة ﵂:«في قصة ذكرتها عن امرأة، قدمت المدينة، فذكرت أنها صارت في العراق ببابل، فأتت بها هاروت وماروت فتعلمت منهما السحر»(٢).
مناقشة الأوجه التي ذكرها أبو مسلم من إنكار أن يكون السحر نزل على المَلَكين:
أما قوله: لو نزل السحر عليهما لكان منزل ذلك السحر هو الله تعالى.
فالجواب: تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود وقد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه (٣)
(١) مفاتيح الغيب: الرازي (٣/ ٦٢٩) بتصرف. (٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٢/ ٣٥٠)، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٣٢) وقال: سنده جيد. (٣) ديوان أبي فراس الحمداني (ص: ٣٥٢).