للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كثيرًا ما يحفظونها بدون فهم، وحواش وشروح وتقريرات وتعليقات تزيد في اضطراب عقول الطلاب وتشويشها، وتقليد أعمى غُلّت منه العقول، فكتب الحديث لا تُقرأ إلا للتبرك، وكتب التفسير ممتنعة عند العامل بل الخاصة، وأما كتب اللغة والأدب فقد كان يقرؤها الطلاب على أنها أداة لفهم الكتاب والسنة لا لذاتها (١).

وهذا ليس بمستغرب، فإن طرق التصوف كان مُنتشرة في تلك الفترة الزمنية، وأسلافهم يُقررون مشروعية قراءة كتب الحديث للتبرك (٢)، وأن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق (٣).

ويُصور لنا القاسمي هذا الحال في مقالة بعنوان: "أعداء الإصلاح" حيث قال: "وأصبح العلماء حملة أهواء لا حملة شريعة، غرضهم أن تُفَخَّم ألقابهم، وتملأ كراشهم وعبابهم، وترفع بين الغاغة - وهو ضرب من النبات- منازلهم" (٤).

وكذلك ما سطره في كتابه القيم "إصلاح المساجد من البدع والحوادث" الذي كان غرضه من تأليفه بيان ما آل إليه المجتمع من الضلال وما انتشر في أوساطهم من البدع التي أبعدت الناس عن العلم الشرعي الصحيح، فسعى في تجلية المسائل وإيضاحها بأقوى الدلائل.

إن هذه الأوضاع المتردية كان لها الأثر البارز في حياة القاسمي ومنهجه الشرعي الذي ينطلق منه، حيث علم أن ما عليه الناس ليس هو الدين الصحيح، ولا هو النهج المستقيم، فوضع الإصلاح نصب عينيه، وتوخى الرفق في الدعوة إليه، معتمدًا على الكتاب والسنة، ومتأسيًا بمن سبقه من المصلحين من سلف هذه الأمة، متحمّلا أعباء الدعوة وقائمًا بواجبه الإصلاحي.


(١) انظر: مقدمة ظافر القاسمي لكتاب قواعد التحديث للقاسمي (ص: ٢٢).
(٢) انظر ما ذكره السخاوي في كتابه الضوء اللامع (١/ ١٤٢)، من أن حلب عندما حوصرت لجأ الناس إلى قراءة كتاب عمدة الأحكام ليفرج الله عنهم.
(٣) انظر ما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأصل السادس من الأصول الستة (ص: ٣).
(٤) مجلة المقتبس (العدد الثاني عشر): محمد كرد علي (ص: ٧٤١ - ٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>