للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أنها تنال العصاة من المؤمنين، وإنما ادخرت لهم. وليس في الآية دليل لمنكريها، لأن قوله: ﴿يَوْمًا﴾ أخرجه منكرًا، ولا شك أن في القيامة مواطن، ويومها معدود بخمسين ألف سنة، فبعض أوقاتها ليس زمانا للشفاعة وبعضها هو الوقت الموعود وفيه المقام المحمود لسيد البشر -عليه أفضل الصلاة والسلام-. قد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها. منها قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [سورة المؤمنون: ١٠١]، مع قوله: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)[سورة الصافات: ٢٧].

فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين، متغايرين: أحدهما محل للتساؤل والآخر ليس محلا له، وكذلك الشفاعة، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة، رزقنا اللَّه الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة" (١).

الثالث: أن استدلالهم بالآية مخالف لما أجمع عليه المفسرون من أن المراد بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ النفس الكافرة لا كل نفس" (٢).

فائدة:

الذي أوقع المعتزلة في هذا المعتقد الفاسد -والله أعلم- هو الاقتصار على بعض القرآن دون بعض، وتحكيم العقول، فمن قرأ أدلة الكتاب والسنة مع فهم السلف والعلماء الراسخين تبين له أن الشفاعة ثابتة للعصاة من الموحدين كما تقدم.

قال الإمام الآجري: "والمعتزلة يخالفون هذا كله، لا يلتفتون إلى سنن رسول الله ، ولا إلى سنن الصحابة ، وإنما يعارضون بمتشابه القرآن، وبما أراهم العقل عندهم" (٣).


(١) الكشاف: الزمخشري. مذيل بحاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير (١/ ١٣٦).
(٢) حكى هذا الإجماع ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٣٩٢)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٧٨).
(٣) الشريعة: الآجري (٣/ ١١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>