للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الثاني: مخالفة قول الخوارج من أن إبليس إنما كفر بمعصية الله، لسياق الآية ونظائرها، فالآية في سياق كفر العناد والاستكبار.

قال ابن عباس: "كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده، فلذلك قال: أنا خير منه، ولذلك قال الله ﷿: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [سورة ص: ٧٥] أي: استكبرت ولا كبر لك، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي! فلذلك قال: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة ص: ٧٤] (١).

فإذاً: كُفر إبليس بالرفض والإباء والاستكبار، وليس بمعصية الله فحسب، فكأنه يقول: كان الأولى أن تأمره أن يسجد لي! لأنك خلقتني من نار وأما هو فخلقته من طين، والنار أفضل من الطين" وهذا على حد زعمه، فلا شك أنه استخفاف بأمر الله الذي سببه الكفر.

الثالث: أقوال المُفسرين في الآية التي تُنافي ما ذهب إليه الخوارج من أن سبب كفر إبليس هو الإباء والاستكبار والعناد، وليس بمعصية الله فحسب، ومن أشهرهم:

الطبري: " وفي هذه الآية - يعني قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة البقرة: ٣٥]- دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض" (٢). فظاهر عبارة الطبري أن إبليس إنما كفر بسبب الاستكبار.

السمرقندي (٣): "قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ أي امتنع عن السجود تكبرًا: معناه أن كبره منعه من السجود" (٤). فمفهوم عبارة السمرقندي أن سبب كفر إبليس


(١) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١/ ٤٤٣).
(٢) جامع البيان: الطبري (١/ ٥٤٧).
(٣) وهو: أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي، الإمام، الفقيه، المحدث، الزاهد، صاحب كتاب (تنبيه الغافلين)، وله كتاب (الفتاوى)، مات سنة خمس وسبعين وثلاث مائة. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٦/ ٣٢٣).
(٤) بحر العلوم: السمرقندي (١/ ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>