الوجه الثالث: سياق الآيات بعد الآية: وذلك أن الله تعالى لما قال: للنبي ﷺ، أعرض وكان النبي ﷺ شديد الميل إلى إيمان قومه وكان ربما هجس في خاطره، أن في الذكرى بعد منفعة، وربما يؤمن من الكافرين قوم آخرون من غير قتال، قال له: ﴿رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [سورة النجم: ٣٠] فهو يعلم من يجيب ومن لا يجيب، وقد علم أن هؤلاء أهل الطبع، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [سورة الكهف: ٥٧](١).
فقد أخبر الله تعالى نبيه ﷺ بأن هؤلاء القوم ممن كتب الله عليه الضلالة، فأعرض عن نصحهم ودعوتهم.
الوجه الرابع: أن الله تعالى أخبر أن سبب الإعراض هو التولي، لأن من لا يصغي إلى قول، كيف يفهم معناه؟
فأمر الله نبيه ﷺ بالإعراض عن من هذه حاله، ثم ذكر سبب التولي عن الذكر، وهو حصر إرادته في الحياة الدنيا. فالتولي عن الذكر سبب للإعراض عنهم، وإيثار الدنيا سبب التولي عن الذكر (٢).
فمن تولى عن الذكر، وأبى أن يُصغي إليه، فالمشروع في حقه الإعراض عن دعوته، والله أعلم.
ثانيًا: من ذهب إلى أن المراد من الإعراض: الهجران والعفو والصفح عن من كان معرضا عن ذكر الله، يؤيد ما ذهب إليه بعض من الأوجه:
الوجه الأول: نظائر الآيات التي تؤيد ما ذهب إليه أصحاب هذا القول كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [سورة الفرقان: ٦٣] وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ