الأول: أن الذي عليه جمع من السلف، وجمهور أهل العلم (١)، بأن المراد من علمهم بالظاهر من الحياة الدنيا: علمهم بمعايشهم، متى يحصدون، ومتى يغرسون، وإلى هذا ذهب ابن عباس، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والحسن، وغيرهم (٢).
وهذا يدل على أنهم يعلمون قليلا من الظواهر في الحياة الدنيا، فيكون هذا المعنى صحيحًا بحسب فهم جماعة من السلف من معنى العلم بالظاهر.
الثاني: نظائر الآيات التي جاءت في وصف الكفار بأنهم لا يعقلون، وآيات أخرى بأن لهم عقول، وفيها ألفاظ جاءت مُنَكَّرة، تُفَسر التنكير الذي ورد في هذه الآية.
فمثلا: قوله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [سورة البقرة: ١٧٠]. فهذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أن الكفار لا عقول لهم أصلًا؛ لأن قوله: ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النفي، فهي تدل على العموم.
وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الكفار لهم عقول يعقلون بها في الدنيا، كقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [سورة العنكبوت: ٣٨].
وهذه الآيات ظاهرها التعارض، والجواب يكون في آية الروم، بأنهم يعقلون أمور الدنيا دون أمور الآخرة، كما بينه تعالى بقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [سورة الروم: ٧](٣).
وبهذا يتقرر أن المراد من التنكير: التقليل، فهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا، من جملة
(١) نسب هذا القول إلى جمهور أهل العلم ابن عطية في المحرر الوجيز (٧/ ٦١٠). (٢) أخرج عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره (١٨/ ٤٦١، ٤٦٣)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٩/ ٣٠٨٨). (٣) انظر: دفع إيهام الاضطراب: الشنقيطي (ص: ٣٦)، وانظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٦/ ٥١٦).