وغير ذلك مما روي في سبب نزول الآية مما يؤيد بأن المراد من نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، هو الترخيص لهم من الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية، أو في المسلمين الذين كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج، ونحو ذلك (١).
الثاني: من حيث السياق: فسياق الآية في نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، ونفي الحرج عن الناس عمومًا من الأكل في بيوتهم، أو بيوت آبائهم، أو من بيوت أمهاتهم، أو من بيوت إخوانهم، أو من بيوت أخواتهم، أو من بيوت أعمامهم، أو من بيوت عماتهم، أو من بيوت أخوالهم، أو من بيوت خالاتهم، أو من البيوت التي ملكوا مفاتحها، أو من بيوت أصدقائهم، إذا أذنوا لهم في ذلك، عند مغيبهم ومشهدهم (٢). ولا علاقة بنفي الحرج في الغزو من خلال هذا السياق.
الثالث: أن قوله تعالى في الآية: ﴿أَنْ تَأْكُلُوا﴾ خبر «ليس» و «أن» في موضع نصب على أنها خبر لها، فهي متعلقة بـ «ليس» فمعلوم بذلك أن معنى الكلام: ليس على الأعمى حرج أن يأكل من بيته، وليس أن يغزوا (٣).
الرابع: من حيث مناسبة الآية لما قبلها: فلما أتم سبحانه ما ذكر من حرمات البيوت المستلزمة لصيانة الأبضاع في قوله تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ [سورة النور: ٦٠] على وجه يلزم منه إحراز الأموال، أتبعه ما يباح من ذلك للأكل الذي هو من أجلّ مقاصد الأموال اجتماعاً وانفراداً، فقال في جواب من كأنه سأل: هل هذا التحجير في البيوت سارٍ في الأقارب وغيرهم في جميع الأحوال؟: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ أي في مؤاكلة غيره وما
(١) انظر: جامع البيان: الطبري (١٧/ ٣٦٨ - ٣٧٠)، وانظر: الكشف والبيان: الثعلبي (١٩/ ٣٢٤ - ٣٢٨)، وانظر: أسباب النزول: الواحدي (ص: ٣٣٩، ٣٤٠)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٦/ ٦٣)، وانظر: أحكام القرآن: ابن العربي (٣/ ٤٢٠)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٥/ ٥٦٨). (٢) انظر: جامع البيان: الطبري (١٧/ ٣٧١). (٣) انظر: جامع البيان: الطبري (١٧/ ٣٧١).