الثاني: الأخبار التي جاءت عن بني إسرائيل التي تدل على وقوع هذه القصة، وليس فيها مما يُخالف الشرع، ويأباه العقل.
فقد ذكر مقاتل في تفسيره أن الرَجُلَيْنِ أحدهما مؤمن واسمه يمليخا، والآخر كافر واسمه فرطس، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء، واليتامى، والمساكين، وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان، والبساتين، فذلك قوله سبحانه:
﴿جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا﴾ يعني الكافر ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ الآية (١).
الثالث: أن المفسرين اختلفوا في تعيين الرجلين فقيل: هما أخوان من بني إسرائيل كما تقدم، وقيل: هما أخوان مخزوميان من أهل مكة أحدهما مؤمن، والآخر كافر، على ما روي في سبب نزول الآية (٢)، وقيل: هما المذكوران في سورة الصافات في قوله: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [سورة الصافات: ٥١].
فإن قيل: أن اختلاف المفسرين في تعيين الرجلين والروايات الواردة في ذلك ظاهرها التناقض، مما يشكك في وقوع هذه القصة.
فالجواب: أنه لا يمنع أن تكون الآية نزلت في المخزوميَيْن وتشبيههما برجلين من بني إسرائيل أخوين، بنحو ما قال بعض من المفسرين (٣).
وأيًا كان هذا الخلاف، فالشاهد أن هذه القصة قد وقعت فيما مضى من السنين، سواء في زمن بني إسرائيل، أم في زمن النبي ﷺ قبل الهجرة.
(١) تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٥٨٤)، وانظر: تفسير يحيى بن سلام (١/ ١٨٥)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٥/ ١٧٠). (٢) انظر: الكشف والبيان: الثعلبي (١٧/ ١٢٩)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٥/ ١٦٩)، وانظر: الكشاف: الزمخشري (٢/ ٧٢٠)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٣/ ٢٦٩). (٣) انظر: معالم التنزيل: البغوي (٥/ ١٧٠)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٣/ ٢٦٩).