ومن أخذ بقول من يقول: أن ذلك خبر من الله عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم (١)، قال بأن سبب العدول: موافقة رؤوس الآي المقطوعة بالحرف المنصوب، وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني.
والذي يظهر أن الأقرب للصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن سبب العدول: موافقة رؤوس الآي، وذلك من أوجه:
الأول: أنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد بالسنين الثلاثمائة الشمسية، وازدادوا تسعاً بالقمرية، فمن الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا، لأن الحساب عند الله تعالى واحد، وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله؟
الجواب: هي الأهلَّة، وعليه: فإن القول بأن ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ شمسية، ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ قمرية قول ضعيف.
الثاني: أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [سورة يونس: ٥] وقال تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [سورة البقرة: ١٨٩](٢).
الثالث: أنه لا يُسَلّم بأن قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ بحساب الأشهر الشمسية، وقوله تعالى: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ بحساب الأشهر القمرية، فتكون التسع سنين مقدار التفاوت، فمثل هذا المراد قد اعتُرض عليه.
وذلك لأن السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسٌ وستون يوما وخمس ساعات وتسعٌ وأربعون دقيقة على مقتضى الرصد الإيلخاني (٣)، والسنة القمرية ثلاث مئة وأربعة وخمسون يوما
(١) انظر: جامع البيان: الطبري (١٥/ ٢٢٩). (٢) انظر: تفسير القرآن الكريم (سورة الكهف): العثيمين (ص: ٤٩، ٥٠). (٣) وهو رصد وضع سنة ٦٥٧ هـ بمُراعة (إيران).