للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ودينهم مرفقا، ويعني بالمرفق: ما يرتفقون به من نجاة ومخرج ورزق (١).

الثاني: أن مثل هذ الاعتزال - وهو اعتزال أهل الشرك إذا خاف المرء على نفسه، أو خاف الفتنة في دينه- قد فعله نبي الله إبراهيم عندما قال لقومه: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ [سورة مريم: ٤٩]، وبعده نبينا محمد فقد خرج من مكة فارا بدينه، وكذلك أصحابه، وجلس في الغار، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين. فسكنى الجبال ودخول الغيران، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء صلوات الله عليهم والأولياء. وقد فضل رسول الله العزلة، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس، وقد نص الله تعالى عليها في كتابه فقال: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾، وبهذا يتقرر أن مشروعية العزلة إنما هي في حال خوف المرء على دينه (٢).

الثالث: أن هذا المراد - وهو مشروعية العزلة في حال خوف المرء على دينه- هو الذي دلت عليه الآثار المروية عن بعض من السلف في تفسير الآية.

فقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن عطاء الخراساني (٣)، في قوله: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾، قال: "كان قومُ الفتيةِ يعبدون الله، ويعبدون معه آلهة شتّى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة، ولم تعتزل عبادة الله" (٤)، وبنحو هذا قال مقاتل، ويحيى بن سلام (٥)، ولم يرد عن أحد من السلف أنه فسر العزلة في الآية بمشروعية العزلة مطلقًا، والله أعلم.


(١) انظر: جامع البيان: الطبري (١٥/ ١٨١، ١٨٢).
(٢) انظر: العزلة: الخطابي (ص: ٨)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٣/ ٢١٧).
(٣) وهو: عطاء بن أبي مسلم الخراساني أبو أيوب ويقال أبو عثمان ويقال أبو محمد ويقال أبو صالح البلخي نزيل الشام مولى الملهب بن أبي صفرة الأزدي، اختُلف في توثيقه مات سنة ١٣٥. ينظر: تهذيب التهذيب: ابن حجر (٧/ ٢١٢، ٢١٣).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٧/ ٢٣٥١) برقم: (١٢٧٢٩)، وانظر: حلية الأولياء: الأصبهاني (٥/ ٢٠٠).
(٥) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٥٧٧)، وانظر: تفسير يحيى بن سلام (١/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>