ﷺ لأبي ابن كعب:«هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيت».
وبعد هذا فالسبع المثاني كثير، والكلّ محتمل، والنصّ قاطع بالمراد، قاطع بمن أراد التكلف والعناد، وبعد تفسير النبي ﷺ فلا تفسير. وليس للمعترض إلى غيره إلا النكير. وقد كان يمكن لولا تفسير النبي ﷺ أن أحرّر في ذلك مقالا وجيزا، وأسبك من سنام المعارف إبريزا، إلا أنّ الجوهر الأغلى من عند النبي ﷺ أولى وأعلى" (١).
الثاني: أنه قد نقل جمع غفير من أهل العلم ومن المفسرين الإجماع أن سورة الحجر مكية، وليست مدنية (٢)، فإذا ذُكر فيها السبع المثاني فلا شك أن المراد: سورة الفاتحة، لأن فرض الصلاة كان بمكة بلا خلاف، وهذا يدل على تقدم نزول الفاتحة على سورة الحجر إذ يبعد أن يمتن عليه بما لم ينزل بعد (٣).
فإذا تقرر أن سورة الحجر مكية بالإجماع، وامتن الله تعالى على رسوله بإيتاء السبع المثاني التي ذُكرت فيها، فلا يُمكن حمل المعنى على السبع الطوال، إذ إن السبع الطوال سور مدنية كما هو معلوم (٤).
الثالث: أن حمل المراد من السبع المثاني على سورة الفاتحة وتسميتها بذلك له أوجه، كما أن حمل المراد على السبع الطوال له أوجه.
فسورة الفاتحة سُميت مثاني لأنها نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة، أو لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وقيل: لأن فيها الثناء على الله تعالى، أو لأنها مقسومة بين الله وبين العبد نصفين، نصفها ثناء ونصفها دعاء (٥). فهذه الأوجه تتفق طباقًا على سورة
(١) أحكام القرآن: ابن العربي (٣/ ١١٣). (٢) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (١/ ٢٢٣)، وانظر: لباب التأويل: الخازن (٣/ ٦١)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (١/ ٤٣)، وانظر: اللباب: ابن عادل الحنبلي (١/ ١٦٦)، وانظر: تفسير ابن رجب: طارق عوض الله (ص: ١٨)، وانظر: تفسير ابن عرفة (١/ ٣١)، والسيوطي في الإتقان (١/ ٤٦). (٣) انظر: الإتقان: السيوطي (١/ ٤٦). وانظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (١/ ٢٢٣)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١/ ١٧٧)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (١/ ٤٣). (٤) انظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٣/ ٢٦٣). (٥) انظر: لطائف الإشارات: القشيري (٢/ ٢٧٩)، وانظر: تفسير القرآن: السمعاني (٣/ ١٥٠)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٤/ ٣٩٠، ٣٩١)، وانظر: التيسير في التفسير: أبو حفص النسفي (٩/ ٢١٨)، وانظر: التسهيل: ابن جزي (١/ ٤٢١).