للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يكون (من) في موضع رفع عطفا على اسم الله، ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك. وهذا، وإن قال به بعض الناس، فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة (١).

وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم ، ومن وافقه من أصحاب القول الأول، وهو الذي عليه جمهور المفسرين (٢)، من أن الواو في قوله تعالى: ﴿حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾ عاطفة ل (من) على الكاف المجرورة، وبطلان القول بأن يكون (من) في موضع رفع عطفا على اسم الله، هو الصواب، وذلك من أوجه:

الأول: أن القاعدة التي قررها غير واحد من أهل العلم أنه يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع، فليس كل ما صح القول به في تركيب عربي صح حمل آيات التنزيل عليه، فللقرآن عرف خاص يجب أن يحمل عليه ولا يتعداه، ولا يتجاوز ما صح من معانيه بكل احتمال نحوي؛ وذلك لأن الإعراب يبين المعنى، والمعنى هو المقصود في النص القرآني دون الإعراب وقواعده (٣).

يقول ابن القيم : وينبغي أن يتفطن ههنا لأمر لا بد منه وهو أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله ﷿ ويفسر بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام ويكون الكلام به له معنى ما، فإن هذا مقام غلط فيه أكثر المعربين للقرآن فإنهم يفسرون الآية ويعربونها بما يحتمله تركيب تلك الجملة ويفهم من ذلك التركيب أي معنى اتفق، وهذا غلط عظيم يقطع السامع بأن مراد القرآن غيره، وإن احتمل ذلك التركيب هذا المعنى في سياق آخر وكلام آخر، فإنه لا يلزم أن يحتمله القرآن … بل للقرآن عرف خاص ومعان معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه، فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ بل أعظم، فكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأفصحها ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قدر العالمين، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به،


(١) زاد المعاد: ابن القيم (١/ ٨، ٩)، وانظر: الكتاب الفريد: المنتجب الهمذاني (٣/ ٢٢٥).
(٢) نص على هذا البغوي في معالم التنزيل (٣/ ٣٧٤)، وابن الجوزي في زاد المسير (٢/ ٢٢٢).
(٣) انظر: قواعد الترجيح: حسين الحربي (٢/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>