الخلاف الذي وقع بين بعض الصحابة في الغنائم، ثابتة وصحيحة الإسناد، ومن ذلك:
ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة الباهلي، قال: سألت عبادة بن الصامت ﵁ عن الأنفال. فقال:" فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى رسول الله ﷺ فقسمه رسول الله ﷺ بين المسلمين عن بواء " يقول: على السواء" (١).
وروى أبو داود والنسائي، والحاكم من طرق، بإسنادهم، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ: "من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا"، فتسارع في ذلك شُبَّان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت المغانم، جاؤوا يطلبون الذي جُعل لهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا ردءً لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا. فتنازعوا فأنزل الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (٢).
الثاني: مما يدل على أنهم تنازعوا فيها: سياق الآية: فالآية خطاب للنبي ﷺ والسائلون هم الصحابة، ولو لم يكن اختلاف وتخاصم في النفل لما وقع السؤال عنه، ولما قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ إذ لا حاجة إلى التحذير والأمر بالصلح بعد الجواب (٣).
الثالث: أن القول بأن الآية نزلت في غنائم بدر لما اختلف الصحابة فيها هو قول
(١) أخرجه أحمد في مسنده من طريقين عن محمد بن إسحاق (٣٧/ ٤١١) برقم: (٢٢٧٤٧)، قال محققوا المسند: حسن لغيره، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٢٦): "رجال الطريقين ثقات"، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١١/ ١٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/ ١٦٥٣) برقم (٨٧٦٨) والحاكم في مستدركه (٢/ ٣٥٦) برقم: (٣٢٥٩) قال الذهبي معلقًا: "على شرط مسلم"ـ (٢) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في النفل، برقم: (٢٧٣٧)، قال الألباني: حديث صحيح، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب قسم الفيء، والأصل من كتاب الله ﷿، برقم: (٢٥٩٤)، وأخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ٢٤١) وصححه ووافقه الذهبي، ينظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٤/ ١٥٣، ١٥٤) الحاشية. (٣) انظر: الهداية: مكي بن أبي طالب (٤/ ٢٧١٠)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٣/ ٣٢٦)، وانظر: التسهيل: ابن جزي (١/ ٣٢٠)، وانظر: بيان المعاني: العاني (٥/ ٢٧٢).