الأول: أن القول بأن المباح مأمور به، يلزم منه أن تكون جميع الأحكام التي سكت عنها الشارع ولم يأمر بها، أنها من قبيل المأمورات وهذا خلاف ما أجمعت عليه الأمة على انقسام الأحكام إلى وجوب وندب وإباحة وغير ذلك. فمنكر المباح يكون خارقا للإجماع (١).
الثاني: أن القول بأن المباح مأمور به يُخالف ما اتفق عليه الفقهاء والأصوليون قاطبة على أن المباح غير مأمور به، خلافا للكعبي، وأتباعه من المعتزلة في قولهم: إنه لا مباح في الشرع بل كل فعل يفرض فهو واجب مأمور به (٢).
وبذلك يتبين أن القول الآخر لا عبرة به لمخالفته لاتفاق العلماء الذي يجب اتباعه لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [سورة النساء: ١١٥].
الثالث: من حيث مفهوم الأمر ومفهوم المباح:
فالأمر هو: طلب الفعل على جهة الاستعلاء، وله صيغ وألفاظ منها: قول القائل لمن دونه: افعل (٣).
والمباح هو: ما خُيّر المُكلف بين فعله وتركه، وله صيغ وألفاظ منها: لا جناح، لا حرج (٤).
فصيغة الخطاب في قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ صيغة أمر تدل صراحة على الوجوب، ولا يدخل في ضمنها المباح لتناقض دلالة كل منهما، إذ إن الأمر اقتضاء وطلب والمباح غير مطلوب بل مأذون فيه (٥).
(١) انظر: الإحكام: الآمدي (١/ ١٢٤). (٢) انظر: الإحكام: الآمدي (١/ ١٢٤)، وانظر: شرح مختصر الروضة: الطوفي (١/ ٣٨٧). (٣) انظر: الفصول في الأصول: الجصاص (٢/ ٨٢)، وانظر: الإحكام: الآمدي (٢/ ١٤٠). (٤) انظر: التقريب والإرشاد: الباقلاني (٢/ ٥٦)، وانظر: بدائع الفوائد: ابن القيم (٤/ ١٣١١)، وانظر: المهذب في علم أصول الفقه: د. عبد الكريم النملة (١/ ٢٥٩). (٥) انظر: المستصفى: الغزالي (ص: ٥٩)، وانظر: روضة الناظر: ابن قدامة (١/ ١٣٦).