يصدق على المرة الواحدة، والحكم لا يحكم إلا بالحق والحاكم يحكم بالحق وبغير الحق، ولذلك كان من أسمائه تعالى: الحكم، ولم يكن منها: الحاكم. وانتصب حكما على الحال. والمعنى: لا أطلب حكما بيني وبينكم غير الله الذي حكم حكمه عليكم بأنكم أعداء مقترفون (١).
الثاني: من حيث سياق الآيات: ففي الآيات أخبر الله تعالى أنه حكم بنبوة محمد ﷺ من حيث إنه أنزل إليه الكتاب المفصل المبين المشتمل على العلوم الكثيرة والفصاحة الكاملة وقد عجز الخلق عن معارضته فظهور مثل هذا المعجز عليه يدل على أنه تعالى قد حكم بنبوته فقوله: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ يعني قل يا محمد إنكم تتحكمون في طلب سائر المعجزات فهل يجوز في العقل أن يطلب غير الله حكما؟ فإن كل أحد يقول إن ذلك غير جائز، ثم قل إنه تعالى حكم بصحة نبوتي حيث خصني بمثل هذا الكتاب المفصل الكامل البالغ إلى حد الإعجاز (٢).
تنبيهان:
الأول: أورد الواحدي في تفسيره ما قيل في تفسير قوله تعالى ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ من أن المراد: "قل لأهل مكة أفغير الله أطلب قاضيا بيني وبينكم". ونسب هذا القول للكلبي وعطية العوفي (٣).
بينما ورد في التيسير للنسفي: قول الكلبي في تفسير الآية: "أي: قل لأهل مكة: أغير الله أبتغي ربا أعبده؟! "(٤). ونسبة القولين للكلبي متضادتان، ولم أقف على الصواب في نسبة القول، والظاهر أن أحد المُفسريْن وهم، ونسب القول للكلبي، والله أعلم.
الثاني: ذكر الماوردي في تفسيره، وبعده ابن الجوزي أن مشركي قريش قالوا للنبي
(١) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٣/ ١٢٤)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (٩/ ٣٦٨)، وانظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٨/ ١٢، ١٣) وانظر: تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٨/ ٩، ١٠). (٢) انظر: البحر المحيط: أبو حيان (٩/ ٣٦٨)، وانظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٨/ ١٢، ١٣). (٣) انظر: التفسير البسيط: الواحدي (٨/ ٣٨٣، ٣٨٤)، وانظر: التفسير الوسيط للواحدي (٢/ ٣١٤). (٤) انظر: التيسير في التفسير: أبو حفص النسفي (٦/ ١٨٩).