الكرماني:"ذكر في هذه السورة (ثم) ثم ذكر في النمل والعنكبوت والروم وغيرها: (فانظروا) بالفاء، لأن (ثم) للتراخي، و (الفاء) للتعقيب"(١).
التفتازاني:"والتحقيق أنه تعالى قال هنا ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ وفي النمل ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ وفي العنكبوت: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [سورة العنكبوت: ٢٠] وفي الروم: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [سورة الروم: ٤٢] فلا بد من بيان وجه تخصيص هذه الآية بـ (ثم) ولعله أن الفاء تدل على أن السير يؤدي إلى النظر، فيقع موقعه بخلاف (ثم) ولذا وقعت الفاء في الجزاء، فهنا لم يجعل النظر واقعا عقب السير متعلقا وجوده بوجوده بل بعث على سير بعد سير لما تقدمه من بعثهم على استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد وأن يستكثروا من ذلك ليروا الآثار في ديار بعد ديار إذ قال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة الأنعام: ٦]، الآية فقد دل الأول على أن الهالكين طوائف كثيرة، والثاني على أن المنشاء بعدهم أيضا كثيرون، ثم دعا إلى العلم بالسير في البلاد ومشاهدة آثار أهل الفساد مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من ملاصقة السير بخلاف المواضع الأخر"(٢).
أصحاب القول الثاني:
ابن المنير:" وأظهر من هذا التأويل أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا، ليكون ذلك سببا في النظر، فحيث دخلت الفاء فلإظهار السببية، وحيث دخلت «ثم» فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير، وأن السير وسيلة إليه لا غير. وشتان بين المقصود والوسيلة والله أعلم"(٣).
(١) غرائب التفسير: الكرماني (١/ ٣٥٣). (٢) عناية القاضي: الشهاب الخفاجي (٤/ ٢٦). (٣) الكشاف للزمخشري مذيل بحاشية الانتصاف فيما تضمنه الكشاف لابن المنير (٢/ ٨)، وأورد هذا القول القاسمي في تفسيره دون تعقيب، فكأنه يميل إليه (٦/ ٢٢٥٣).