للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أنهم قالا: بعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري. وكتب معه كتابا إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله ثم دعا جعفر ابن أبي طالب والمهاجرين معه، وأرسل النجاشي إلى الرهبان والقسيسين، ثم أمر جعفر بن أبي طالب فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع فهم الذين أنزل الله فيهم ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا﴾ إلى قوله: ﴿تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ (١).

والمتأمل في هاتين الروايتين يجد أن ظاهرهما التعارض، إذ إن الآية في سورة المائدة وهي من أواخر السور نزولا وقصة جعفر مع النجاشي كانت قبل الهجرة إلى المدينة، فكيف يُقال أنها نزلت في جعفر والنجاشي حينما تلا عليه الآيات من سورة مريم؟

ويُمكن أن يُجاب عن هذا الاشكال بأن يُقال: أن الرواية الثانية إن أريد بقوله "فهم الذين أنزل الله فيهم" أنها تقص قصصهم وتتحدث عنهم، فلا إشكال، لعدم صراحة سبب النزول، فتتعين الرواية الأولى.

وما تعقب به القاسمي على الحافظ ابن اكثير وإن كان له حظ من النظر، لكن الأسلم والأولى هو الجمع بين الروايتين، وذلك لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم بأن الجمع مقدم على الترجيح.

وخير طريقة لذلك بحسب ما يظهر لي أن يُقال: أن الآية نزلت مرتين: الأولى في قصة جعفر مع النجاشي، والثانية في الوفد الذين بعثهم النجاشي إلى النبي ، وبهذا يرتفع الاشكال، والله أعلم.

قال ابن تيمية : "فقول أحدهم: نزلت في كذا، لا ينافي قول الآخر: نزلت في كذا، إذا كان اللفظ يتناولهما، كما ذكرناه في التفسير بالمثال، وإذا ذكر أحدهم لها سببا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١١٨٥)، برقم: (٦٦٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>