بقوله: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾، وبين التوبة التي بينهما بقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [سورة الإسراء: ٨]، فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه ﷺ وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم، فسلط عليهم نبيه ﷺ فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم، وذراريهم، وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفا من ذلك في سورة الحشر (١)،
الثاني: اقتضاء دلالة السياق: فظاهر القرآن يقتضي أن العمى والصمم وقع في زمن الأنبياء بعد موسى ﵇، وذلك لأن السياق في ذكر أفعالهم القبيحة الماضية، من قتل الرسل، وتكذيبهم، إذ قبل الآية المذكورة: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [سورة المائدة: ٧٠](٢).
الثالث: الروايات والحوادث التاريخية التي تؤيد قول من قال بأن بني إسرائيل عموا وصموا ثم ثاب الله عليهم ثم عموا وصموا بعد زمن موسى ﵇، وأشهرها حادثيْن:
الحادث الأول: حادث الأسر البابلي إذ سلط الله عليهم (بختنصر) ملك (أشور) فدخل بيت المقدس مرات سنة ٦٠٦ وسنة ٥٩٨ وسنة ٥٨٨ قبل المسيح.
وأتى في ثالثتها على مدينة أورشليم فأحرقها وأحرق المسجد وحمل جميع بني إسرائيل إلى بابل أسارى، وأن توبة الله عليهم كان مظهرها حين غلب (كورش) ملك (فارس) على الآشوريين واستولى على بابل سنة ٥٣٠ قبل المسيح فأذن لليهود أن يرجعوا إلى بلادهم