والذي يظهر بعد استقراء أقول أهل العلم في هذه المسألة، أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من حكم النبي في العرنيين ثابت، وليس بمنسوخ، وذلك من أوجه:
الأول: أن فعل النبي ﷺ بهم من سمل الأعين كان قصاصا لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك كما تقدم من قول أنس بن مالك ﵁، والجزاء من جنس العمل، ولعموم قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ﴾ الآية، ولقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [سورة البقرة:](٢).
قال أبو جعفر النحاس: " وهذا من أحسن حديث يروى في هذا الباب - يعني حديث أنس- وأغربه وأصحه وفيه حجة للشافعي في القصاص" (٣).
الثاني: تطرق الاحتمال والاختلاف في سبب نزول الآية، فقد ذكر البغوي وغيره لنزول الآية قصة غير قصة العرنيين (٤)، والقاعدة أنه إذا اختلفت الأقوال في سبب نزول الآية وتطرق إليها الاحتمال فلا نسخ (٥).
الثالث: أن القول بنسخ الآية لفعل النبي ﷺ مبني على الظن، وليس على يقين مقطوع بصحته، فآية الحرابة نزلت ابتداء حكم، كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شيء، أو تصويبا لفعله ﵇ بهم؛ لأن الآية موافقة لفعله - ﵇ - في قطع أيديهم وأرجلهم، وزائدة على ذلك تخييرا في القتل، أو الصلب، أو النفي - وكان ما زاده رسول الله ﷺ على القطع من السمل، وتركهم لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء: