الثاني: أنه قد ورد عن بعض السلف ممن فسَّر الآية بعمومها وأنها تدل على تحريم الحكم على من قال: لا إله إلا الله بأنه ليس بمؤمن.
فقد روي عن ابن عباس، أنه قال في تأويل قوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [سورة النساء: ٩٤]" حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا، كما حرم عليهم الميتة، فهو آمن على ماله ودمه"(١).
فإن قيل: أن مدار النهي في الآية إنما هو على سفك الدماء ابتغاء عرض الدنيا. لدلالة السياق في قوله تعالى: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ يعني: تطلبون الغنم والغنيمة (٢).
فالجواب: أنه على الرغم من دلالة السياق التي تؤيد ذلك، إلا أنه لا مانع من حمل الآية على عمومها، إذ إن الحكم على الكافر الذي أظهر لنا انقياده بالإسلام بأنه ليس بمؤمن، قد يكون فيه ابتغاء عرض من الدنيا، من غير سفك دم طمعًا في مغنم، فلا يُقال له لست مؤمنًا في هذه الحال.
ومثال ذلك: لو أن والدهم حضرته الوفاة، فقال أخوهم الكافر، أنا مسلم، أو قال: لا إله إلا الله، وأظهر انقياده بالإسلام، فلا يُقال له: لست مؤمنًا طمعًا في نصيبه من الميراث، وإنما يُعطى نصيبه.
وإن قيل: إن الله تعالى قال في الآية: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ والمغانم إنما تُكتسب من الحرب والقتل.
فالجواب: أن هذا باعتبار الغالب، فالغالب أن ابتغاء عرض الدنيا يكون من مغانم الحرب، ولا يمنع أن تكون الآية أعم من ذلك، والله أعلم.