للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأيضًا: فإن التبديل يقتضي المغايرة كما في قوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ [سورة البقرة: ٦١] فقوله: ﴿غَيْرَهَا﴾ تأكيد لما دل عليه فعل التبديل (١).

الرابع: ورود بعض الآثار عن بعض السلف مما يدل على أن التبديل حقيقي، ومن ذلك ما روي عن السدي أنه قال: " إنما تبدل الجلود جلودًا غيرها من لحم الكافر، يعيد الجلد لحمًا، ويخرج من اللحم جلداً آخر، لا يبدل بجلد لم يعمل خطيئة" (٢).

الخامس: أن المعنى الحقيقي يدل على أن الله تعالى أعطاهم مكان كل جلد محترق جلدا آخر غير محترق، وهذا أبلغ في العذاب للشخص، لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق (٣).

فإن قيل: إن المعنى الوصفي نظيره قول العرب للصائغ إذا استصاغته خاتما من خاتم مصوغ، بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى: صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره. فيكسره ويصوغ له منه خاتما غيره والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره. فكذلك معنى قوله: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [سورة النساء: ٥٦] لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق، فقيل هي غيرها على ذلك المعنى (٤).

فالجواب من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الاستشهاد معارض لما تقدم ذكره مما هو مقرر عند السلف وأهل اللغة وما يقتضيه ظاهر الآية من أن المراد: المعنى الحقيقي.

الوجه الثاني: أن قياس تبديل الجلود بالصائغ الذي يصيغ خاتما من خاتم مصوغ، بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى: قياس مع الفارق بين الحال في الدنيا وبين


(١) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٥/ ٩٠).
(٢) الكشف والبيان: الثعلبي (١٠/ ٤٢٧)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (٧/ ١٤١).
(٣) فتح القدير: الشوكاني (١/ ٥٥٤)، وانظر: فتح البيان: القنوجي (٣/ ١٥١).
(٤) جامع البيان: الطبري (٧/ ١٦٤) بتصرف، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٢/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>