يأتي أهله فأسلم، وقال: يا رسول الله، ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفائي (١)، وكذا ما روي من أثر كعب الأحبار من أنه اغتسل، ومس وجهه مخافة أن يطمس. ثم أسلم (٢).
فوجه الدلالة أنه لما سمع الآية خاف أن يُصيبه هذا الوعيد، وهذا في الدنيا.
ثانيًا: أوجه بيان أن الوعيد واقع على أهل الكتاب في الآخرة:
الوجه الأول: أن يكون المراد بالطمس والرد على الأدبار: الختم على العين والفم والطبع عليهما، فقد قال الله تعالى: ﴿لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [سورة يس: ٦٦] و ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ [سورة يس: ٦٥]، وهذا يكون في الآخرة (٣). وأيضًا قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [سورة طه: ١٢٥] نوع من الطمس والله أعلم، وهذا يكون في الآخرة.
الوجه الثاني: أن قوله تعالى: ﴿آمِنُوا﴾ تكليف متوجه عليهم في جميع مدة حياتهم، فلزم أن يكون قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ واقعا في الآخرة، فصار التقدير: آمنوا من قبل أن يجيء وقت نطمس فيه وجوهكم وهو ما بعد الموت (٤).
الوجه الثالث: أن وقوع الوعيد عليهم يوم القيامة أنكى لهم لفضيحتهم بين الأولين والآخرين، ويكون ذلك أول ما عجل لهم من العذاب (٥).
فيتضح مما تقدم أن كلا الفريقين له أوجه تؤيد ما ذهب إليه، إلا أن تعليل أبي السعود بوقوعه في الآخرة لأنه لم يتضح وقوعه في الدنيا غير مُسَلّم، وفيه بعد كما قال القاسمي ﵀، وذلك لأن العذاب قد يقع على اليهود من الطمس أو المسخ مستقبلاً في الدنيا أو قبل
(١) أورده الثعلبي في تفسيره (١٠/ ٣٩٢)، والبغوي في تفسيره (٢/ ٢٣١). (٢) تقدم إيراده في المسألة السابقة. (٣) انظر: روح المعاني: الآلوسي (٦/ ٧٢). (٤) مفاتيح الغيب: الرازي (١٠/ ٩٦). (٥) البحر المحيط: أبو حيان (٧/ ١٢١).