ثانيًا: من السنة: ما رواه البخاري وغيره، وهو قوله ﷺ لامرأة ثابت:«أتردّين عليه حديقته! فقالت: نعم. فقال ﷺ لزوجها: اقبل الحديقة وطلقها»(١).
فهذا الحديث صريح في مشروعية الخلع، وأن للزوج استرداد ما دفعه من صداق أو مهر.
ثالثًا: من الإجماع: فقد حكاه غير واحد من أهل العلم.
قال ابن جرير: فأما ما قاله بكر بن عبد الله من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [سورة النساء: ٢٠] فقول لا معنى له، فنتشاغل بالإنابة عن خطئه لإجماع الجميع من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من المسلمين، على تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره (٢).
رابعًا: أن قوله تعالى في البقرة: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [سورة البقرة: ٢٢٩]- صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحلّ له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثمّ: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ إلخ. والحكمة في حل الأخذ ظاهرة. وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه، لكان في صورة المظلوم. لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه. فكان من العدل الإلهيّ أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال. وأما هذه الآية فهي في حكم آخر. وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء. لأنه لو أبيح له الأخذ
(١) أخرجه البخاريّ: كتاب الطلاق، باب صداق الملاعنة، برقم: (٢١٦٤). (٢) جامع البيان: الطبري (٤/ ١٦٢).