الثاني: أنها نزلت بسبب ما جرى للنبي ﷺ يوم أُحد، وكان قد جُرِح، وكُسرت بعض أسنانه.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس ﵁، أن رسول الله ﷺ كُسرت رَباعيته يوم أحد، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول:(كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟)، فأنزل الله ﷿: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ (١).
وهنا يَرِدُ إشكال وهو: أن قصة أحد متقدمة على قصة رعل، وذكوان، الذين دعا عليهم رسول الله ﷺ، فكيف الجمع؟
أجاب الحافظ ابن حجر على هذا بقوله:"يحتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد؛ لأن قصة رعل، وذكوان، كانت بعدها، وفيه بُعْد. والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أُحد. ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: يقتلهم، ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ أي: يخزيهم، ثم قال: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: فيسلموا، ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ أي: إن ماتوا كفاراً"(٢).
قال الشيخ أحمد شاكر مُعلِّقا على كلام ابن حجر:"وهذا تحقيق نفيس جيد من الطراز العالي"(٣).
الوجه الثاني: الاستشهادات اللغوية من الشعر التي تؤيد ذلك، فتقدير الكلام:«ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم أو تعذيبهم شيء» أو يكون التقدير: "ليس لك من الأمر شيء أو أن يتوب عليهم»، فلما كان في تأويل الاسم عُطف على الاسم قبله - يعني (أن) مع الفعل المضارع تُؤَوَّل باسم مصدر (أو توبته) يعني تأويل الاسم بفعل- فهو من باب
(١) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، برقم: (١٧٩١)، وقد أورد ابن الجوزي في تفسيره روايات أخرى في سبب نزول الآية. ينظر: زاد المسير: ابن الجوزي (١/ ٣٢٣). (٢) فتح الباري: ابن حجر (٧/ ٣٦٦) بتصرف. (٣) جامع البيان: الطبري (٧/ ٢٠٢) شاكر.