فوجب أن يثبت ذلك الجناح عند حصول أحد هذين الأمرين ثم إن الجناح الذي يثبت عند أحد هذين الأمرين هو لزوم المهر، فوجب القطع بأن الجناح المنفي في أول الآية هو لزوم المهر (١).
ثالثًا: سياق الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [سورة البقرة: ٢٣٧] فقد أوجب الله تعالى فيها نصف المفروض وهذا القسم كالمقابل لذلك القسم - يعني الحكم في الآية التي قبلها- فيلزم أن يكون الجناح المنفي هناك هو المثبت هاهنا، فلما كان المثبت هاهنا هو لزوم المهر وجب أن يقال: الجناح المنفي هناك هو لزوم المهر والله أعلم" (٢).
رابعًا: لو كان المراد من نفي الجناح: نفي الإثم أو الحرج فلماذا خص الله تعالى المطّقة قبل المسيس، والمُطلّقة قبل فرض الفرض فقط؟ وجميع أنواع المُطلّقات لا إثم في طلاقهن، وبهذا يُعلم أن العلة في تحصيصهم في الآية لما يترتب عليه انتفاء المهر.
يقول ابن جرير الطبري: "وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ المطلقات قبل الإفضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك، فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره أن المعنية بقوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ إنما هي المسمى لها؛ لأن المعنية بذلك لو كانت غير المفروض لها الصداق لما كان لقوله: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ معنى معقول، إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه أو ما لم تفرضوا لهن فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق