قال أبو حيان مُعَقبًا على الزمخشري بعد أن ذكر قولَه:" وحامله على أن ذلك هو على حذف مضاف طلبُ المعادلة بين المشركين والمؤمنين في الدعاء، فلما أخبر عن من أشرك أنه يدعو إلى النار، جعل من آمن يدعو إلى الجنة. ولا يَلزم ما ذَكَر، بل إجراء اللفظ على ظاهره من نسبة الدعاء إلى الله -تعالى- هو آكد في التباعد من المشركين، حيث جُعِلَ موجد العالِمَ منافيا لهم في الدعاء، فهذا أبلغ من المعادلة بين المشركين والمؤمنين"(١).
فأبو حيان يتفق مع القاسمي بنفي هذا التقدير وهو:(وأولياء الله يدعون)، إلا أن سبب النفي عند أبو حيان بأن نسبة الدعاء إلى الله تعالى آكد وأبلغ من التقدير بأولياء الله يدعون للمعادلة بين المشركين والمؤمنين، وسبب النفي عند القاسمي هو عدم تناسب الضمائر كما تقدم، ولعله استفاد هذا من أبي السعود كما في الوجه الثاني، والله أعلم.
قال العثيمين ﵀:" دعوة إلى النار، ودعوة إلى الجنة والمغفرة، ومع ذلك نجد أن المسألة ليس فيها تقابل، وإلا لو كان فيها تقابل لقال: أولئك يدعون إلى النار والمؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة، لكنه عدل عن دعوة المؤمن إلى دعوة الله؛ لأن المؤمن يكون منه تقصير في الدعوة إلى جنة الله ومغفرته، لكن الله ﷿ دعا إلى الجنة والمغفرة، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا بالله ازداد دعوةً إلى جنة الله ومغفرته"(٢).
الثاني: أن الضمير في المعطوف على الخبر وهو قوله تعالى: ﴿وَيُبَيِّنُ﴾ لله تعالى، فيلزم التفكيك.
قال أبو السعود (٣): "قيل معنى ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو﴾ وأولياء الله يدعون وهم المؤمنون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تشريفا لهم وأنت خبير بأن الضمير في المعطوف
(١) البحر المحيط: أبو حيان (٤/ ١٦٣، ١٦٤). (٢) تفسير القرآن الكريم: العثيمين، من موقع الباحث القرآني https:// tafsir.app/ ولم أجده في تفسير القرآن الكريم للعثيمين. (٣) وهو: محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، أبو السعود، مفسر، أصولي، شاعر، عارف باللغات العربية والتركية والفارسية، من فقهاء الحنفية وعلماء الترك المستعربين، كان ذا مهابة عظيمة. مات سنة ٩٨٢ هـ. ينظر: معجم المفسرين: نويهض (٢/ ٦٢٥).