وقال القاضي أبي يعلى: "اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره، إذ ليس فيه ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نثبت قدما وفخذا جارحة ولا أبعاضا، بل نثبت لك صفة كما أثبتنا الذات والوجه واليدين" (٢).
الثاني: من حيث اللغة: فالبصير كما أنه يجوز أن يُراد منه: العليم، بحسب ما ذهب إليه بعض أهل اللغة، فيقال: بَصُر الرجلُ يَبصُرُ: إِذا صَار عَلِيماً بالشَّيْء (٣)، فيجوز أيضًا أن يكون على ظاهره، تقول: بَصُرْتُ بالشيء بالضم والكسر لغة بَصَرًا بفتحتين عَلِمْتُ فأنا بصير به يتعدى بالباء في اللغة الفصحى وقد يتعدى بنفسه وهو ذو بصر، ويقال: أَبْصَرْتُهُ: إِذَا رَأَيْتَهُ (٤).
تنبيه:
ذهب جماعة من المفسرين من أهل السنة من أن معنى:(بصير) في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ عليم؛ أي أنه -جَلَّ وعلا- عليم بكل ما يعملونه في السر، والعلانية، أو أنه خبير بما يعمل عباده من خير وشر (٥).
ولا إشكال في ذلك لأن ذلك من التفسير باللازم، والمراد من التفسير باللازم: أن المفسر يفسر اللفظ بلازمه لا بمطابقه، للتنبيه على دخول هذا اللازم في معنى الآية، فمن لوازم صفة البصر: العلم، ومثل هذا النوع من التفسير يُعتبر من الطرق المُعتبرة عند المفسرين،
(١) أصول السنة: الإمام أحمد (ص: ٢٤). (٢) إبطال التأويلات: أبو يعلى (ص: ٢٤٦). (٣) معاني القرآن: الزجاج (٣/ ٣٧٤) وانظر: تهذيب اللغة: الأزهري (١٢/ ١٢٣)، وانظر: إرشاد العقل السليم: أبي السعود (١/ ١٣٣)، وانظر: تاج العروس: الزبيدي (١٠/ ١٩٨). (٤) انظر: مقاييس اللغة: ابن فارس (١/ ٢٥٤)، وانظر: لسان العرب: ابن منظور (٤/ ٦٤)، المصباح المنير: الفيومي (١/ ٥٠)، [الباء مع الصاد وما يثلثهما]. (٥) انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (١/ ٥٠١)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (١/ ١٣٥)، وانظر: تفسير القرآن الكريم (الفاتحة والبقرة): العثيمين (١/ ٣١١).