ثالثًا: أن حمل الكلام في هذه الآية بأن فيه تقديم وتأخير تأباه الفصاحة، كما يقرره بعض المُفسرين:
قال أبو حيان:" وأما قول من زعم أن قوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ معطوفا على الضمير في قوله: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ﴾، أي: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة، فيكون في الكلام تقديم وتأخير. فهو معنى يصح، لكن اللفظ والتركيب ينبو عنه ويخرجه عن الفصاحة، ولا ضرورة تدعو إلى أن يكون ذلك من باب التقديم والتأخير، لا سيما على قول من يخص التقديم والتأخير بالضرورة"(١).
وقال الآلوسي:"ومن الناس من جوز كون ﴿وَمِنَ الَّذِينَ﴾ صفة لمحذوف معطوف على الضمير المنصوب في ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ﴾ والكلام على التقديم والتأخير، أي: لَتَجِدَنَّهُمْ وطائفة من- الذين أشركوا أحرص الناس-.
ولا أظن يُقْدِم على مثل ذلك في كتاب الله تعالى من له أدنى ذوق، لأنه- وإن كان معنى صحيحا في نفسه- إلا أن التركيب ينبو عنه، والفصاحة تأباه، ولا ضرورة تدعو إليه لا سيما على قول من يخص التقديم والتأخير بالضرورة" (٢).
رابعًا: في تخصيص اليهود بالذكر وأنهم أحرص الناس على الحياة من المشركين زيادة في التوبيخ والتقريع.
يقول البيضاوي:"وإفراده - يعني اليهود- بالذكر للمبالغة، فإن حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلا الحياة العاجلة، والزيادة في التوبيخ والتقريع، فإنهم لما زاد حرصهم. وهم مقرون بالجزاء على حرص المنكرين. دل ذلك على علمهم بأنهم صائرون إلى النار"(٣).
(١) البحر المحيط: أبو حيان (٢/ ٣٣٦، ٣٣٧)، وانظر: الدر المصون: السمين الحلبي (٢/ ١٢)، وانظر: اللباب: ابن عادل الحنبلي (٢/ ٣٠٢)، وانظر: الإعراب المحيط: الغرناطي (١/ ٢٣٦). (٢) روح المعاني: الآلوسي (٢/ ٣٢٦). (٣) أنوار التنزيل: البيضاوي (١/ ٩٥).