وعلى التسليم بهذا الاعتراض، فكون السورتين معدودة في مصحف أبي بن كعب ﵁ سورة واحدة، يدل ذلك على أن هناك صلة بين السورتين، وإن كان الصواب بأن السورتين منفصلتين، والله أعلم.
الوجه الثاني: مناسبة الآية لما قبلها، وذلك أن الله تعالى لما ذكر ما أحله على أصحاب الفيل بأن جعلهم كعصف مأكول، ناسب أن يذكر الإيلاف تذكيرا لقريش بنعمته. والمعنى: أنه أهلك أولئك ليؤلف قريشا هاتين الرحلتين اللتين بها معاشهم، ومقامهم بمكة (١).
أوجه بيان القول الثاني:
الوجه الأول: ظاهر الآية الذي يدل على أن اللام متصلة بما بعدها، فيكون المراد: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ لإيلافنا ذلك (٢).
الوجه الثاني: من حيث البلاغة، فافتتاح السورة كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور. وزاده الطول تشويقا إذ فصل بينه وبين متعلقة (بالفتح) بخمس كلمات، فيتعلق ﴿لِإِيلَافِ﴾ بقوله:(ليعبدوا). وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل (ليعبدوا).
وأصل نظم الكلام: لتعبد قريش رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف (٣).
فإن قيل: لو كانت (اللام) في قوله تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ صلة ومتعلقة بما قبلها لوجب أن يكون ﴿لِإِيلَافِ﴾ بعض ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ وأن لا تكون سورة منفصلة من ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كل واحدة منهما منفصلة عن
(١) انظر: معاني القرآن: الزجاج (٥/ ٣٦٥)، وانظر: زاد المسير: ابن الجوزي (٤/ ٤٩٣)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (٢١/ ٤٨٢). (٢) انظر: التيسير في علم التفسير: أبو حفص النسفي (١٥/ ٤٩٢). (٣) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٣٠/ ٥٥٤).