والشاهد: أن السرية التي بعثها النبي ﷺ إلى حُنين جاء وصف خيلها بأن أصوات أنفاسها يظهر إذا عدت في الحرب، وهي في هذه الحال تشتد على الأرض الحصاة فتوري النار بحوافرها.
الثاني: أن لكل قول مما قيل في الآية ما يؤيده من اللغة، أو ظاهر الآيات ونظائرها:
فمن ذهب إلى أن المراد: الخيل توري النار وتقدح بحوافرها: يدل عليه ظاهر اللغة، فيقال: قدحت النار من الزناد؛ أي: استخرجتها، وورت الزند؛ أي: خرجت ناره، وأوريتها أنا (٢).
ومن ذهب إلى أن المراد: الحرب: يدل عليه ظاهر الآيات بأنها في الخيل، ولكن إبراؤها أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم، كما قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [سورة المائدة: ٦٤] ومنه يقال للحرب إذا التحمت: حمي الوطيس، فالموريات قدحا مستعار لإثارة الحرب لأن الحرب تشبه بالنار (٣).
ولا تعارض بين ما ذهب إليه كلا من الفريقين.
الثالث: أن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن اللفظ إذا احتمل معاني عدة وأمكن الجمع بينهما فالأولى الجمع (٤).
وخير ما يُقال في تفسير الآية: إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا؛ فالخيل توري بحوافرها، والناس يورونها بالزند، واللسان مثلا يوري بالمنطق، والرجال يورون بالمكر مثلا، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها: إذا التقت في الحرب؛ ولم يضع
(١) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (٤/ ٨٢٠)، وانظر: التبيان في أيمان القرآن: ابن القيم (١/ ١٢٣)، وانظر: عمدة الحفاظ: السمين الحبي (٤/ ٣٠٣)، وانظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٣٠/ ٥٠١). (٢) انظر: التيسير في التفسير: أبو حفص النسفي (١٥/ ٤٤٨)، وانظر: الكشاف: الزمخشري (٤/ ٧٨٧)، وانظر: الكليات: الكفوي (ص: ٨٨٠). (٣) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (٣٢/ ٢٦٠)، وانظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٣٠/ ٥٠٠). (٤) تقدم تقرير القاعدة في مسألة (٨٧)، ص: (٥٦٧).