للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

جنس المستثنى، فهناك فرق بين الكلام وفرق بين الوحي وإرسال الرسول.

فالوحي هو: إلقاء وإلهام، وليس بتكليم، وكذا إرسال الرسول ليس بتكليم (١).

ومن الشواهد على ذلك قوله تعالى: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [سورة آل عمران: ٤١] فاستثني الرمز من الكلام، والرمز ليس من جنس الكلام، وهكذا في هذه الآية، فالكلام ليس من جنس الوحي (٢).

الثاني: سياق الآية الذي دل على أن الاستثناء منفصل، إذ لو كان الوحي بمعنى الكلام في هذه الآية، للزم أن يقع في الآية تكرار وهذا محال، وذلك لأن قوله تعالى في الآية ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ يدل على أن هذا النوع من الوحي كلام حقيقي، وكما هو معلوم أن الذي كلمه الله تعالى من وراء حجاب هو موسى ، كما ذكر هذا جمع من المفسرين (٣).

الثالث: مما يدل على أن الاستثناء منفصل وأن الوحي ليس كالتكليم: ما جاء عن الزهري أنه سئل عن قول الله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ الآية. قال: نزلت هذه الآية تعم من أوحى الله إليه من النبيين، فالكلام: كلام الله الذي كلم به موسى من وراء حجاب، والوحي: ما يوحي الله به إلى نبي من أنبيائه، فيثبت الله ما أراد من وحيه في قلب النبي فيتكلم به النبي ويبينه، وهو كلام الله ووحيه، ومنه ما يكون بين الله ورسله لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس، ولكنه سر غيب بين الله ورسله، ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتبونه لأحد، ولا يأمرون بكتابته، ولكنهم يحدثون به الناس حديثا، ويبينون لهم أن الله أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم، ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء من اصطفى


(١) انظر: البديع في علم العربية: ابن الأثير (١/ ٢٢٤، ٢٢٥)، وانظر: الكتاب الفريد: المنتجب الهمذاني (٥/ ٥٤٠)، وانظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك: الصبان (٣/ ٤٥٩).
(٢) انظر: بحر المذهب: الروياني (١٠/ ٥٢٤)، وانظر: المغني: ابن قدامة (١٣/ ٦١٣).
(٣) انظر: جامع البيان: الطبري (٢٠/ ٥٤٠)، وانظر: الكشف والبيان: الثعلبي (٢٣/ ٣٩٨)، وانظر: تفسير القرآن: السمعاني (٥/ ٨٧)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٨/ ٥٠٧)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٦/ ٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>