للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باعتِبارِ النَّصِّ لا باعتِبارِ القيمةِ، ولنا قَولُه تَعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣]، فهو تَنصيصٌ على أنَّ المَأخوذَ مالٌ، وبَيانُ رَسولِ اللهِ لِما ذُكرَ للتَّيسيرِ على أَربابِ المَواشي، لا لتَقييدِ الواجِبِ به، فإنَّ أَربابَ المَواشي تَعزُّ فيهم النُّقودُ، والأداءُ مما عندَهم أيسَرُ عليهم، ألَا تَرى أنَّه قالَ في خَمسٍ من الإبِلِ شاةٌ؟ وكَلمةُ «في» حَقيقةٌ للظَّرفِ، وعَينُ الشاةِ لا تُوجَدُ في الإبلِ فعرَفْنا أنَّ المُرادَ قَدرُها من المالِ ورَأى رَسولُ اللهِ في إبلِ الصَّدقةِ ناقَةً كَوماءَ، فغضِبَ على المُصدِقِ، وقالَ: «ألَم أَنهَكم عن أَخذِ كَرائمِ أَموالِ الناسِ؟ فقالَ: أخَذتُها ببَعيرَينِ من إبلِ الصَّدقةِ».

وفي رِوايةٍ: «ارتَجعْتُها، فسكَتَ رَسولُ اللهِ » (١)، وأخْذُ البَعيرِ ببَعيرَينِ إنَّما يَكونُ باعتِبارِ القيمةِ، وقالَ مُعاذٌ في خُطبَتِه باليَمنِ: «ائْتُونِي بخَميسٍ آخُذُه منكم مَكانَ الصَّدقةِ، أو قالَ: مَكانَ الذُّرةِ والشَّعيرِ»، وذلك لا يَكونُ إلا باعتِبارِ القيمةِ والمَعنى فيه أنَّه ملَّك الفَقيرَ مالًا مُتقوَّمًا بنيَّةِ الزَّكاةِ فيَجوزُ، كما لو أدَّى بَعيرًا عن خَمسٍ من الإبلِ، وهذا لأنَّ المَقصودَ إِغناءُ الفَقيرِ، كما قالَ النَّبيُّ : «أَغْنوهُم عن المَسأَلةِ في مثلِ هذا اليَومِ» (٢). والإِغناءُ يَحصلُ بأداءِ القيمةِ كما يَحصلُ بأداءِ الشاةِ، ورُبَّما يَكونُ سَدُّ الخَلةِ بأداءِ القيمةِ أظهَرَ، ولا نَقولُ بأنَّ الواجِبَ حَقُّ الفَقيرِ، ولكنَّ الواجِبَ حَقُّ اللهِ تعالَى خالِصًا، ولكنَّه مَصروفٌ إلى الفَقيرِ ليَكونَ كِفايةً له من اللهِ تعالَى عما وعَدَ له من الرِّزقِ، فكانَ المُعتبَرُ في حَقِّ الفَقيرِ أنَّه مَحلٌّ صالِحٌ لكِفايتِه له، فكانَ هذا نَظيرَ الجِزيةِ، فإنَّها وجَبَت لكِفايةِ المُقاتِلةِ، فكانَ المُعتبَرُ في حَقِّهم أنَّه مَحلٌّ


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: تَقدَّم.
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>