و- ألَّا يَكونَ من حاضِري المَسجدِ الحِرامِ:
قال ابنُ قُدامةَ ﵀: لا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنَّ دَمَ التَّمتُّعِ لا يَجبُ على حاضِري المَسجدِ الحَرامِ، إذْ قَدْ نصَّ اللهُ تَعالى في كتابِه بقولِه ﷾: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ولأنَّ حاضِرَ المَسجدِ الحَرامِ ميقاتُه مَكةُ، فلم يَحصلْ له التَّرفُّه بأحدِ السَّفرَين، ولأنَّه أحرَم بالحَجِّ من ميقاتِه، فأشبَه المُفرِدَ (١).
إلا أنَّهم اختلَفوا، هل عليه دَمُ جَبرٍ -جِنايَةٍ- أو لا؟
فذهَب الجُمهورُ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّه لا دَمَ عليه.
وقال الحَنفيةُ: عليه دَمُ جَبرٍ -جِنايَةٍ- لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾. فأباحَ التَّمتُّعَ لِمن لم يَكنْ أهلُه حاضِري المَسجدِ الحَرامِ خاصَّةً، ولأنَّ المُتمتِّعَ شُرِعَ له ألَّا يُلِمَّ بأهلِه، فلم يَكنْ له ذلك، ولأنَّ الغَريبَ إذا تَمتَّع لزِمه دَمٌ، والمَكيُّ إذا تَمتَّع فلا دَمَ عليه، وهذا يَدلُّ على أنَّ نُسكَه ناقِصٌ عن نُسكِ الغَريبِ، فكُره له فِعلُه ولزِمه الدَّمُ جُبرانًا (٢).
(١) «المغني» (٥/ ١٠٣، ١٠٤)، و «الاختيار» (١/ ١٧١)، و «البناية» (٣٠/ ٦٥٧)، و «الفواكه الدواني» (١/ ٤٣٥)، و «مغني المحتاج» (١/ ٥١٥).(٢) «فتح القدير» (٣/ ١١، ١٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥٦٤، ٥٩٥)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٧٢)، و «الإشراف» (ص ٢٢٠)، و «أحكام القرآن» للجصاص (١/ ٣٥٨)، و «المغني» (٥/ ١٠٥)، و «المجموع» (٧/ ١٤٣)، و «الاختيار» (١/ ١٧١)، و «الإفصاح» (١/ ٤٦٣)، و «الذخيرة» (٣/ ٢٩١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute