إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا هل يَجوزُ لصاحِبِ الحقِّ أنْ يَقيمَه أم لا؟
فذهَبَ جَماهيرُ أهلِ العِلمِ الحَنفيةُ في الصَّحيحِ عندَهم والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الذي يُقِيمُ التعزيرَ هو الإمامُ أو نائبُه؛ لأنَّ صاحِبَ الحَقِّ قد يُسرفُ فيه غَلطًا، بخِلافِ القصاصِ؛ لأنه مُقدَّرٌ (١).
وقالَ الحَنفيةُ: ما كانَ حَقَّ اللهِ يَملكُه الإنسانُ وإنْ لم يَكنْ مُحتسبًا؛ لأنه مِنْ بابِ إزالةِ المُنكرِ باليدِ، والشارعُ ولَّى كلَّ أحَدٍ ذلكَ، فلا يُقيمُه غيرُ الحاكِمِ إلا حالَ قيامِ المَعصيةِ، وأما بعدَه فليسَ إلا للحاكِمِ.
وما كانَ حَقَّ العبدِ يَتوقفُ على الدَّعوى، لا يُقيمُه إلا الحاكِمُ أو مَنْ حُكمُه فيهِ.
وقيلَ: لصاحِبِ الحقِّ إقامتُه كالقصاصِ، وقيلَ: للإمامِ؛ لأنَّ صاحِبَ الحَقِّ قد يُسرفُ فيه غَلطًا (٢).
(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٧٠)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٦٢٠، ٦٢١)، و «حاشية البجيرمي على منهج الطلاب» (٤/ ٣٠٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٥٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٢٥، ٢٢٦). (٢) «البحر الرائق» (٥/ ٤٥)، و «درر الحكام» (٥/ ٣٥٠)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٦٥، ٦٦).