فمَن حمَلَ هذه الأحاديثَ كلَّها على التَّخييرِ وتَمسَّكَ في ذلك بعُمومِ ما يُطلَقُ عليه اسمُ جِزيةٍ؛ إذْ ليسَ في تَوقيتِ ذلك حَديثٌ عن النَّبيِّ ﷺ مُتَّفقٌ على صِحَّتِه، وإنَّما ورَدَ الكِتابُ في ذلك عامًّا، قالَ: لا حَدَّ في ذلك، وهو الأظهَرُ، واللهُ ﷾ أعلَمُ.
ومَن جمَعَ بين حَديثِ مُعاذٍ والثابِتِ عن عُمرَ قالَ: أَقلُّه مَحدودٌ، ولا حَدَّ لأكثَرِه.
ومن رجَّحَ حَديثَ مُعاذٍ؛ لأنَّه مَرفوعٌ قالَ: دِينارٌ فقط، أو عِدلُه مَعافِرَ، لا يُزادُ على ذلك ولا يُنْقَصُ منه (١).
وَقتُ استِيفاءِ الجِزيةِ:
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الجِزيةَ لا تُؤخذُ من الذِّميِّ إلا مَرةً واحِدةً في السَّنةِ ولا تَتكرَّرُ، والسَّنةُ المُعتبَرةُ شَرعًا هي السَّنةُ القَمريةُ؛ لأنَّها هي المُرادةُ شَرعًا عندَ الإطلاقِ، أمَّا إذا عيَّنَ الإمامُ كَونَها شَمسيةً أو قَمريةً فيَجبُ اتِّباعُ ما عيَّنَه.
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: وأمَّا المَسألةُ الرابِعةُ وهي: متى تَجِبُ الجِزيةُ؟ فإنَّهم اتَّفقوا على أنَّها لا تَجِبُ إلا بعدَ الحَولِ، وأنَّها تَسقُطُ عنه إذا أسلَمَ قبلَ انقِضاءِ الحَولِ (٢).