مِنْ قِبلِ أنَّ الشرعَ خَصَّه بذلكَ، وإمَّا مِنْ قِبلِ أنَّ ما يُوجَدُ فيه مِنْ الرَّأفةِ والرَّحمةِ لا يُوجَدُ في غيرِه، وهو الذي ذهَبَ إليه مالِكٌ ﵁، وما ذهَبَ إليه أظهَرُ واللهُ أعلَمُ، إلَّا أنْ يكونَ هناكَ ضَرورةٌ.
وقد احتَجَّ الحَنفيةُ بجوازِ إنكاحِ الصِّغارِ غيرُ الآباءِ بقولِه تعالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]، قالَ: واليتيمُ لا يَنطلقُ إلا على غيرِ البالغةِ.
والفَريقُ الثَّاني قالُوا: إنَّ اسمَ اليتيمِ قد يَنطلقُ على بالِغةٍ، بدليلِ قولِه ﵊:«تُستأْمَرُاليتيمةُ»، والمُستأمَرةُ هي مِنْ أهلِ الإذنِ وهي البالِغةُ، فيكونُ لاختِلافِهم سَببٌ آخَرُ وهو اشتِراكُ اسمِ اليَتيمِ، وقد احتَجَّ أيضًا مَنْ لم يُجِزْ نكاحَ غيرِ الأبِ لها بقولِه ﵊:«تُستأْمَرُ اليَتيمةُ في نَفسِها»(١)، قالُوا: والصغيرةُ ليسَتْ مِنْ أهلِ الاستِئْمارِ باتِّفاقٍ، فوجَبَ المنعُ، ولِأولئكَ أنْ يقولُوا: إنَّ هذا حُكمُ اليتيمةِ التي هي مِنْ أهلِ الاستِئمارِ، وأمَّا الصغيرةُ فمَسكوتٌ عنها (٢).
هل يَثبتُ الخِيارُ للصَّغيرةِ إذا بلَغَتْ؟
اختَلفَ الفُقهاءُ في الصغيرةِ -وكذا الصَّغير- إذا زوَّجَها أبوها وهي صَغيرةٌ، هل يَثبتُ لها الخِيارُ إذا بلَغَتْ أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشَّافعيةُ والحَنابلةُ إلى أنه
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٠٩٣)، والنسائي (٣٢٧٠)، وأحمد (١٩٦٧٤). (٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٥، ٦).