قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: وهذا قَولُ عامةِ أهلِ العِلمِ، إلا أنَّه حُكيَ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ وعَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّهما قالا في البَحرِ: التَّيممُ أعجَبُ إلينا منه، هو نارٌ.
وحَكاه الماوَرديُّ عن سَعيدِ بنِ المُسيِّبِ، والأولُ أَولى؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣] وماءُ البَحرِ ماءٌ لا يَجوزُ العُدولُ إلى التَّيممِ مع وُجودِه.
ورُويَ عن أبي هُريرةَ قالَ: سألَ رَجلٌ النَّبيَّ ﷺ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنا نَركبُ البَحرَ، ونَحملُ معنا القَليلَ من الماءِ؛ فإنْ تَوضَّأْنا به عطِشْنا، أفنَتوضَّأُ بماءِ البَحرِ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«هو الطَّهورُ ماؤُه الحِلُّ مَيْتتُه» أخرَجَه أبو داودَ، والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ، وقالَ: هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.
ورُويَ عن عُمرَ ﵁ أنَّه قالَ:«مَنْ لم يُطهِّرْه ماءُ البَحرِ فلا طهَّرَه اللهُ»، ولأنَّه ماءٌ باقٍ على أصلِ خِلقتِه، فجازَ الوُضوءُ به كالعَذبِ.
وقَولُهم:«هو نارٌ» إنْ أُريدَ به أنَّه نارٌ في الحالِ فهو خِلافُ الحِسِّ، وإنْ أُريدَ أنَّه يَصيرُ نارًا، لم يَمنعْ ذلك الوُضوءَ به حالَ كَونِه ماءً (١).
والثالِثُ: ماءُ النَّهرِ: والأصلُ فيه قَولُه ﵇: «أَرأيتُم لو أنَّ نَهرًا ببَابِ أَحدِكُم يَغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خَمسَ مَراتٍ هل يَبقَى مِنْ دَرنِه شَيءٌ؟»(٢).