هذا الإمامُ تَبايَنَت أَقوالُ الناسِ فيه تَبايُنًا بَليغًا، فمِن مُعظِّمٍ أشدَّ تَعظيمٍ، فمُقدِّمٍ له على جَميعِ العُلماءِ، وهم مُتعصِّبةُ الأَحنافِ، وفي مُقابلِهم مَنْ انتَقصَه وطعَنَ في حِفظِه وفَضلِه، وقد ساقَ الخَطيبُ ﵀ في تَرجَمتِه أَقوالَ الفَريقينِ، إلا أنَّ أَسانيدَ مَنْ طعَنَ فيه الغالِبُ عليها الضَّعفُ الشَّديدُ، ومع تَتبُّعِ سِيرتِه وانتِقاءِ أَبعدِ الرِّواياتِ عن الغُلوِّ والقُصورِ، اتضَحَت لنا بفَضلِ اللهِ ﷿ الأُمورُ، وظهَرَ ما أخبَرَ به الحَربيُّ: لا يَقعُ في أَبي حَنيفةَ إلا جاهِلٌ أو حاسِدٌ (٢).
وإذا كانَ الأصلُ في المُسلمِ حُسنُ الظنِّ، فكيف بمَن شهِدَ له عُلماءُ عَصرِه الأَثباتُ بالعَدالةِ والفقهِ والشَّرفِ والفَضلِ، وكيف بمَن امتَلأتْ قُلوبُ المُسلِمينَ بمَحبَّتِه، وشُغلَت الأَلسِنةُ بالثَّناءِ عليه، وقد قالَ النَّبيُّ ﷺ:«تلك عاجلُ بُشرى المُؤمنِ» رَواه مُسلمٌ.