للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قُلتَ: قد قيلَ: إنَّ الجِزيةَ كانَت يَومَئِذٍ من قَومٍ عَربٍ باسمِ الصَّدقةِ، فيَجوزُ أنْ يَكونَ مُعاذٌ أرادَ ذلك في قَولِه: في الصَّدقةِ؟

قُلتُ: قالَ السُّروجيُّ: قالَ هذا القاضِي أبو مُحمدٍ، ثم قالَ: ما أقبَحَ الجَورَ والظُّلمَ منه، وما أجهَلَه بالنَّقلِ، إنَّما جاءَت تَسميةُ الجِزيةِ بالصَّدقةِ من بَني تَغلِبَ ونَصارى العَربِ بالتِماسِهم في خِلافةِ عمرَ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه، قالَ: هي جِزيةٌ، فسَمُّوها ما شِئتُم، وما سَمَّاها المُسلِمونَ صَدقةً قَطُّ.

قُلتُ: قالَ الطَّرطُوشيُّ: قال مُعاذٌ: للمُهاجِرينَ والأَنصارِ بالمَدينةِ، وفي المُهاجِرينَ بَنو هاشِمٍ وبَنو عبدِ المُطَّلِبِ ولا يَحلُّ لهم الصَّدقةُ، وفي الأَنصارِ أَغنياءُ ولا يَحلُّ لهم الصَّدقةُ، فدَلَّ على أنَّ ذلك الجِزيةُ.

قُلتُ: قالَ السُّروجيُّ: رِكَّةُ ما قالَه ظاهِرةٌ جِدًّا، وهو تَعلَّقَ بحِبالِ الهَوى وخَبطةِ العَشواءِ؛ لأنَّه أرادَ بالمُهاجِرينَ والأَنصارِ من يَحلُّ له الصَّدقةُ، لا مَنْ تَحرُمُ عليه، وكذا الجِزيةُ لا تُصرَفُ إلى جَميعِ المُهاجِرينَ والأَنصارِ، بل إلى مَصارفِها المَعروفينَ. فافهَمْ.

فإنْ قُلتَ: إنَّ قصَّةَ مُعاذٍ اجتِهادٌ منه فلا حُجةَ فيها، قلتُ: كانَ مُعاذٌ أعلَمَ الناسِ بالحَلالِ والحَرامِ، وقد بيَّنَ له النَّبيُّ لمَّا أرسَلَه إلى اليَمنِ ما يَصنَعُ به (١).

وقد رَدَّ داودُ الظاهِريُّ وابنُ حَزمٍ خبَرَ مُعاذٍ هذا مِنْ عدَّةِ وُجوهٍ.

قالَ ابنُ حَزمٍ : قالَ عليٌّ: وهذا لا تَقومُ به حُجةٌ؛ لوُجوهٍ:


(١) «عمدة القاري» (٩/ ٤) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>