وقيلَ في الجَوابِ عن قصَّةِ مُعاذٍ: إنَّها اجتِهادٌ منه، فلا حُجةَ فيها، وفيه نَظرٌ؛ لأنَّه كانَ أعلَمَ الناسِ بالحَلالِ والحَرامِ، وقد بيَّنَ له النَّبيُّ ﷺ لمَّا أرسَلَه إلى اليَمنِ ما يَصنَعُ، وقيلَ: كانَت تلك واقِعةَ حالٍ، لا دِلالةَ فيها لاحتِمالِ أنْ يَكونَ عَلِم بأهلِ المَدينةِ حاجةً لذلك، وقد قامَ الدَّليلُ على خِلافِ عَملِه ذلك. وقالَ القاضِي عبدُ الوهَّابِ المالِكيُّ: كانوا يُطلِقونَ على الجِزيةِ اسمَ الصَّدقةِ، فلعلَّ هذا منها، وتُعقِّب بقَولِه:«مَكانَ الشَّعيرِ والذُّرةِ» وما كانَت الجِزيةُ حينَئذٍ من أولئك من شَعيرٍ ولا ذُرةٍ إلا من النَّقدَينِ (١).
وقالَ العَينيُّ: وقالوا أيضًا: إنَّ قَولَه: «ائْتُونِي بعَرضٍ ثِيابٍ» مَعناه: آتُوني به آخُذْه منكم مَكانَ الشَّعيرِ والذُّرةِ اللذَينِ آخُذُهما شِراءً بما آخُذُه فيَكونُ بأخذِه قد بلَغَت مَحلَّه، ثم يَأخذُ مَكانَ ما يَشتَريه مما هو واسِعٌ عندَهم وأنفَعُ لِلآخذِ، وقالوا: لو كانَت هذه من الزَّكاةِ لم تَكنْ مَردودةً على أَصحابِ النَّبيِّ ﷺ بالمَدينةِ دونَ غيرِهم، وكيف كانَ الوَجهُ في رَدِّه عليهم، وقد قالَ ﷺ:«تُؤخَذُ من أَغنيائِهم فتُردُّ في فُقرائِهم»(٢).
وقد رَدَّ بَدرُ الدِّينِ العَينيُّ ﵀ عن قَولِ الجُمهورِ هذا بقَولِه:
وأمَّا الجَوابُ عن ذلك كلِّه فهو أنَّ قَولَهم أنَّه مُرسَلٌ، فنَقولُ: المُرسَلُ حُجةٌ عندَنا.
وأنَّ قَولَهم: المُرادُ بالصَّدقةِ الجِزيةُ فالجَوابُ عنه من أربَعةِ أوجُهٍ.