للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: قالوا: المُرادُ بالصَّدقةِ الجِزيةُ. قالَ البَيهَقيُّ: وهذا الأليَقُ بمُعاذٍ ، والأشبَهُ بما أمَرَ به النَّبيُّ من أخْذِ الجِنسِ في الصَّدقاتِ وأخْذِ الدِّينارِ، وعَدلُه مَعافِرُ ثِيابِ اليَمنِ في الجِزيةِ. قالوا: ويَدلُّ عليه نَقلُه إلى المَدينةِ، ومَذهبُ مُعاذٍ أنَّ النَّقلَ في الصَّدقاتِ مُمتنَعٌ ويَدلُّ عليه إِضافتُها إلى المُهاجِرينَ والأَنصارِ، والجِزيةُ تُستحَقُّ بالهِجرةِ والنُّصرةِ وأمَّا الزَّكاةُ فتُستحَقُّ بالفَقرِ والمَسكنةِ (١).

وقالَ الحافِظُ: وقَولُه في الصَّدقةِ يَردُّ قَولَ من قالَ: إنَّ ذلك كانَ في الخَراجِ، وحَكى البَيهَقيُّ أنَّ بعضَهم قالَ فيه من الجِزيةِ بَدلُ الصَّدقةِ، فإنْ ثبَتَ ذلك سقَطَ الاستِدلالُ، لكنَّ المَشهورَ الأولُ، وقد رَواه ابنُ أبي شَيبةَ عن وَكيعٍ عن الثَّوريِّ عن إِبراهيمَ بنِ مَيسرةَ عن طاوُسٍ أنَّ مُعاذًا كانَ يَأخذُ العُروضَ في الصَّدقةِ وأجابَ الإِسماعيليُّ باحتِمالِ أنْ يَكونَ المَعنى: ائْتُوني به آخُذْه منكم مَكانَ الشَّعيرِ والذُّرةِ الذي آخُذُه شِراءً بما آخُذُه، فيَكونَ بقَبضِه قد بلَغَ مَحلَّه، ثم يَأخذَ مَكانَه ما يَشتَريه مما هو أوسَعُ عندَهم وأنفَعُ للآخِذِ، قالَ: ويُؤيِّدُه أنَّها لو كانَت من الزَّكاةِ لم تَكنْ مَردودةً على الصَّحابةِ، وقد أمَرَه النَّبيُّ أنْ يَأخذَ الصَّدقةَ من أَغنيائِهم فيَرُدَّها على فُقرائِهم.

وأُجيبَ بأنَّه لا مانعَ من أنَّه كانَ يَحمِلُ الزَّكاةَ إلى الإمامِ ليَتولَّى قِسمَتها، وقد احتَجَّ به مَنْ يُجيزُ نَقلَ الزَّكاةِ من بَلدٍ إلى بَلدٍ، وهي مَسألةٌ خِلافيَّةٌ أيضًا.


(١) «عمدة القاري» (٩/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>