أَجلاهما، ولَعلَّ الأدَقَّ هو الأهَمُّ، والزَّكاةُ من هذا القَبيلِ ولم يَنتبِهْ له غيرُ الشافِعيِّ ﵁، فحَظُّ الفَقيرِ مَقصودٌ في سَدِّ الخَلةِ وهو جَليٌّ سابِقٌ إلى الأَفهامِ، وحَقُّ التَّعبُّدِ في اتِّباعِ التَّفاصيلِ مَقصودٌ للشَّرعِ.
وباعتِبارِه صارَت الزَّكاةُ قَرينةً للصَّلاةِ والحَجِّ في كَونِها من مَباني الإِسلامِ.
ولا شَكَّ في أنَّ على المُكلَّفِ تَعبًا في تمييزِ أَجناسِ مالِه وإِخراجِ حصَّةِ كلِّ مالٍ من نَوعِه وجِنسِه وصِفتِه ثم تَوزيعِه على الأَصنافِ الثَّمانيةِ كما سيَأتي، والتَّساهُلُ فيه غيرُ قادِحٍ في حَظِّ الفَقيرِ لكنَّه قادِحٌ في التَّعبُّدِ.
ويَدلُّ على أنَّ التَّعبُّدَ مَقصودٌ بتَعيينِ الأَنواعِ أُمورٌ ذكَرْناها في كُتبِ الخِلافِ من الفِقهيَّاتِ.
ومِن أوضَحِها أنَّ الشَّرعَ أوجَبَ في خَمسٍ من الإبلِ شاةً، فعدَلَ من الإبِلِ إلى الشاةِ ولم يَعدِلْ إلى النَّقدَينِ والتَّقويمِ، وإنْ قدَّرَ أنَّ ذلك لقلَّةِ النُّقودِ في أَيدي العَربِ بطَلَ بذِكرِه عِشرونَ دِرهمًا في الجُبرانِ مع الشاتَينِ فلم يُذكَرْ في الجُبرانِ قَدرُ النُّقصانِ من القِيمةِ، والمُقدَّرِ بعِشرينَ دِرهمًا وشاتَينِ، وإنْ كانَت الثِّيابُ والأمتِعةُ كلُّها في مَعناها.
فهذا وأمثالُه من التَّخصيصاتِ يَدلُّ على أنَّ الزَّكاةَ لم تُتركْ خاليةً عن التَّعبُّداتِ كما في الحَجِّ ولكنْ جُمعَ بينَ المَعنيَينِ، والأَذهانُ الضَّعيفةُ تَقصُرُ عن دَركِ المُركَّباتِ فهذا شأنُ الغَلطِ فيه (١).