للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك كرَميِ الجَمراتِ مَثلًا، إذ لا حَظَّ للجَمرةِ في وُصولِ الحَصى إليها، فمَقصودُ الشَّرعِ فيه الابتِلاءُ بالعَملِ ليُظهِرَ العَبدُ رِقَّه وعُبوديَّتَه بفِعلِ ما لا يُعقَلُ له مَعنًى؛ لأنَّ ما يُعقَلُ مَعناه قد يُساعِدُه الطَّبعُ عليه ويَدعوه إليه، فلا يَظهَرُ به خُلوصُ الرِّقِّ والعُبوديَّةِ؛ إذِ العُبوديَّةُ تَظهَرُ بأنْ تَكونَ الحَركةُ لحَقِّ أمرِ المَعبودِ فقط، لا لمَعنًى آخَرَ، وأكثَرُ أعمالِ الحَجِّ كذلك، ولذلك قالَ في إِحرامِه: «لبَّيكَ بحَجةٍ حقًّا تَعبُّدًا ورِقًّا» حَديثُ «لبَّيكَ بحَجةٍ حقًّا تَعبُّدًا ورِقًّا» أخرَجه البزَّارُ والدَّارقُطنيُّ في «العِلل» من حَديثِ أنَسٍ تَنبيهًا على أنَّ ذلك إِظهارٌ للعُبوديَّةِ بالانقِيادِ لمُجرَّدِ الأمرِ وامتِثالِه كما أمَرَ من غيرِ استِئناسِ العَقلِ منه بما يَميلُ إليه ويَحثُّ عليه.

القِسمُ الثاني: من واجِباتِ الشَّرعِ ما المَقصودُ منه حَظٌّ مَعقولٌ وليسَ يُقصَدُ منه التَّعبُّدُ كقَضاءِ دَينِ الآدَميِّينَ ورَدِّ المَغصوبِ، فلا جَرمَ لا يُعتبَرُ فيه فِعلُه ونيَّتُه.

ومهما وصَلَ الحَقُّ إلى مُستحِقِّه بأخذِ المُستحَقِّ أو ببَدلٍ عنه عندَ رِضاه تأدَّى الوُجوبُ وسقَطَ خِطابُ الشَّرعِ.

فهذان قِسمانِ لا تَركيبَ فيهما يَشتَركُ في دَركِهما جَميعُ الناسِ.

والقِسمُ الثالِثُ: هو المُركَّبُ الذي يُقصَدُ منه الأَمرانِ جَميعًا، وهو حَظُّ العِبادِ وامتِحانُ المُكلَّفِ بالاستِعبادِ فيَجتمِعُ فيه تَعبُّدُ رَميِ الجِمارِ وحَظُّ رَدِّ الحُقوقِ، فهذا قِسمٌ في نَفسِه مَعقولٌ، فإنْ ورَدَ الشَّرعُ به وجَبَ الجَمعُ بينَ المَعنيِّين ولا يَنبَغي أنْ يَنسى أدَقَّ المَعنيَينِ وهو التَّعبُّدُ والاستِرقاقُ بسَببِ

<<  <  ج: ص:  >  >>