للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تَمرٍ أو شَعيرٍ ثم قالَ: «أَغْنوهُم عن المَسأَلةِ في مثلِ هذا اليَومِ»، فأخبَر أنَّ المَقصودَ حُصولُ الغِنى لهم عن المَسألةِ لا مِقدارُ الطَّعامِ بعَينِه؛ إذْ كانَ الغِنى عن المَسألةِ يَحصلُ بالقيمةِ كحُصولِه بالطَّعامِ، فإنْ قالَ قائِلٌ: لو جازَتِ القيمةُ وكانَ المَقصِدُ فيه حُصولَ هذا القَدرِ من المالِ للمَساكينِ لَما كانَ لذِكرِ الإِطعامِ فائِدةٌ مع تَفاوُتِ قيمَتِها في أكثَرِ الأَحوالِ، وفي ذِكرِه الطَّعامَ دِلالةٌ على أنَّه غيرُ جائِزٍ أنْ يَتعدَّاه إلى القيمةِ، وأنَّه ليسَ المَقصِدُ حُصولَ النَّفعِ بهذا القَدرِ من المالِ دونَ عَينِ الطَّعامِ، قيلَ له: ليسَ الأمرُ على ما ظَننتَ، وفي ذِكرِه الطَّعامَ أعظَمُ الفَوائِدِ، وذلك أنَّه ذكَرَها ودَلَّنا بما ذكَرَ على جَوازِ إِعطاءِ قيمَتِها ليَكونَ مُخيَّرًا بينَ أنْ يُعطيَ حِنطةً أو يُعطيَ دَراهمَ قِيمةً عن الحِنطةِ، فيَكونَ مُوسِّعًا في العُدولِ عن الأرفَعِ إلى الأوكَسِ إنْ تَفاوتَت القيمَتانِ أو عن الأوكَسِ إلى الأرفَعِ، أو يُعطيَ أيَّ المَذكورَينِ بأَعيانِهما كما قالَ النَّبيُّ : «ومَن وجَبَت في إبلِه بِنتُ لَبونٍ فلم تُوجَدْ أُخذَ منه بِنتُ مَخاضٍ وشاتانِ أو عِشرونَ دِرهمًا» (١) فخيَّرَه في ذلك، وهو يَقدرُ على أنْ يَشتريَ بنتَ لَبونٍ وهي الفَرضُ المَذكورُ، وكما جعَلَ الدِّيةَ مِئةً من الإبلِ، واتَّفقَت الأُمةُ على أنَّها من الدَّراهمِ والدَّنانيرِ أيضًا قيمةً للإبلِ على اختِلافِهم فيها، وكمَن تَزوَّجَ امرأةً على عَبدٍ وسَطٍ فإنْ جاءَ به


(١) أخرجه البخاريُّ في «صحيحه» (٢/ ٥٢٧) كتاب الزَّكاة (٣٦) باب من بلَغت عندَه صَدقةُ بنتِ مَخاضٍ وليسَت عندَه ح (١٣٨٥) بلفظِ: «وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أو شَاتَيْنِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>